وما كان يشبه الوظائف الشورية أو الإدارية الثانوية في حكوماتنا الحاضرة، ولم تجد بينها «سلطات» فعالة خليقة أن تتعاقب مع الزمن غير ثلاث متفرقات، وهي السلطة الروحية لهاشم وعبد الدار، والسلطة السياسية لأمية، والسلطة العسكرية لمخزوم.
من بني مخزوم هؤلاء نشأ خالد بن الوليد - بطل هذا الكتاب - وكانت نشأته في أعرق بيوتها وأعلاها وأشرفها وأغناها، فلم يكن من أبوته أو عمومته إلا رئيس ابن رئيس لا تعلو مكانته مكانة أحد من رؤساء الجاهلية ...
كان جده المغيرة بن عبد الله، الذي كان الرجل من بني مخزوم يؤثر أن ينسب إليه، فيسمى المغيرة تشرفا بالانتساب إلى الفرع الذي أناف على الأصول ...
وكان أبوه الوليد بن المغيرة الملقب بالعدل وبالوحيد؛ لأنه كان يكسو الكعبة وحدة سنة وتكسوها قريش كلها كسوة مثلها سنة أخرى.
وكان عمه هشام قائد بني مخزوم في حرب الفجار، وبوفاته أرخت قريش كما تؤرخ بالأحداث العظام، ولم تقم سوقا بمكة ثلاثا لحزنها عليه ... •••
وكان عمه الفاكه بن المغيرة من أكرم العرب في زمانه، له بيت للضيافة يأوي إليه من شاء بغير استئذان.
وكان عمه أبو حنيفة أحد الأربعة الذين أخذوا بأطراف الرداء، وحملوا فيه الحجر الأسود إلى موضعه من الكعبة، كما أشار النبي - عليه السلام - قبل الدعوة الإسلامية ...
أما الذي فض النزاع بين القبائل على هذا الشرف حين أذن التنافس بينها بالشر المستطير فهو عم آخر من أعمامه، وهو أبو أمية بن المغيرة الملقب بزاد الراكب كما جاء في بعض الروايات. فقد أشار عليهم أن يكلوا الحكم إلى أول داخل من باب المسجد ليختار من بينهم من يرفع الحجر إلى مكانه، فارتضوا مشورته وتم صواب المشورة بتوفيق البشارة النبوية قبل إهلالها على العالم بسنين.
ولقب أبو أمية زاد الراكب؛ لأنه كان يكفي أصحابه في السفر مئونتهم، فلا يتزودون بزاد.
ويظهر أن بني مخزوم هؤلاء كانوا في ثروتهم وعدتهم وبأسهم أقوى البطون القرشية حين ينفرد كل بطن منها عن سائر بطونها. ولكنهم لم يستأثروا بالزعامة القرشية؛ لأنهم كانوا ينافسون بني هاشم وبني أمية وبني عبد الدار، وهم ثلاثة بطون قوية يلتقون في جد واحد أقرب من الجد الذي يجمعهم ببني مخزوم، وهو مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر جد قريش أجمعين.
Неизвестная страница