Гениальность Имама Али
عبقرية الإمام علي
Жанры
ولكنه ولا ريب أول من عالج هذه الفنون معالجة أديب، وأول من أضفى عليها صبغة الإنشاء الذي يقتدى به في الأساليب ... لأن الذين سبقوه كانوا يصوغون كلامهم صياغة مبلغين لا صياغة منشئين، ويقصدون إلى أداء ما أرادوه ولا يقصدون إلى فن الأداء وصناعة التعبير، ولكن الإمام عليا تعلم الكتابة صغيرا، ودرس الكلام البليغ من روايات الألسن، وتدوين الأوراق، وانتظر بالبلاغة حتى خرجت من طور البداهة الأولى إلى طور التفنن والتجويد ... فاستقام له أسلوب مطبوع مصنوع، هو فيما نرى أول أساليب الإنشاء الفني في اللغة العربية، وأول أسلوب ظهرت فيه آثار دراسة القرآن، والاستفادة من قدوته وسياقه، وتأتى له بسليقته الأدبية أن يأخذ من فحولة البداوة، ومن تهذيب الحضارة، ومن أنماط التفكير الجديد الذي أبدعته المعرفة الدينية والثقافة الإسلامية ... فديوانه الذي سمي «نهج البلاغة» أحق ديوان بهذه التسمية بين كتب العربية، واشتماله على جزء مشكوك فيه لا يمنع اشتماله على جزء صحيح النسبة إليه صحيح الدلالة على أسلوبه، وربما كانت دلالة الأخلاق والمزاج فيه أقوى، وأقرب إلى الإقناع من دلالة الأسانيد التاريخية؛ لأن طابع «الشخصية العلوية» فيه ظاهر من وراء السطور ومن ثنايا الحروف، يوحي إليك حيثما وعيته أنك تسمع الإمام ولا تسمع أحدا غير الإمام، ويعز عليك أن تلمح فيه غرابة بين صاحب التاريخ وصاحب الكلام ...
على أننا نبالغ ما نبالغ في تمحيص المنحول وغير المنحول من أقوال الإمام، ومن فنون ثقافته العامة، ثم تبقى لنا بقية تسمح لنا - بل توجب علينا - أن نسأل: كيف يتسنى العلم بهذا لأي كان من الناس في مثل ذلك الزمان؟ ...
والسؤال لا بد منه، ولا نظن قارئا من قراء تاريخ الإمام لم يخطر هذا السؤال بباله ولم يرد على لسانه.
ولكن لا بد معه من تصحيح الباعث عليه؛ لتصحيح الجواب عنه بعد ذلك ...
فالباعث عليه أننا نبالغ في تجريد البداوة العربية من الصلات المعقولة بالثقافة العالمية، سواء كانت من ثقافة العلم والدرس أو ثقافة التواتر والتلقين ...
لكن البداوة العربية لم تكن في الواقع معزولة عن ثقافة الأمم المحيطة بها تلك العزلة التي تخطر لنا للوهلة الأولى، فقد كانت على اتصال بعقائد الهند وفارس والروم، وكانت للمعارف الإنسانية أشعتها التي تتخلل الجزيرة العربية من قديم العصور .
وحسبنا من أمثلة ذلك مثال واحد في معسكر الإمام نفسه يغني عن الأمثلة من قبيله ...
وذلك هو مثال عبد الله بن سبأ المشهور بابن السوداء، وهو يهودي ابن زنجية مولود في بلاد اليمن، ومذهبه الذي اشتهر به هو مذهب الرجعة، الذي يجمع فيه بين قول اليهود بظهور المنقذ من أبناء داود، وقول أهل الهند بظهور الإله الذي يتقمص جسم إنسان، وقول النصارى بظهور المسيح، وقول أهل فارس بتقديس الأوصياء من أقرباء الملوك والأمراء ...
فهذه عقيدة لا تظهر من رجل يمني من أهل الجزيرة، إذا تخيلنا أن الجزيرة في حضارتها أو بداوتها بمعزل عن ثقافات الهند والفرس والروم وبني إسرائيل، وأن الأمة العربية تخلو من أناس سمعوا بالعقائد والفلسفات من طريق القدوة الدينية، أو طريق المحاكاة الاجتماعية، أو طريق الدراسة والسماع ...
وقد كانت عاصمة الإمام في الكوفة ... وكانت مثابة الغادين والرائحين من أبناء الحضارات المعروفة في العالم بأسره، ومن المسلمين الذين عاشوا بها أو بجوارها أناس كانوا ينظرون في كتب الفرس، ويعجبون بحكمتها كما جاء في سيرة عمر بن الخطاب، ومنهم من كان ينظر في النجوم على طريقة الفرس والروم، وحذر بعض هؤلاء الإمام أن يسير إلى حرب الخوارج في طالع كوكب من الكواكب المنحوسة، فقال له: «أتزعم أنك تهدى إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء؟ ... فمن صدق بهذا فقد كذب القرآن، واستغنى عن الاستعانة بالله في نيل المحبوب ودفع المكروه» ... •••
Неизвестная страница