Гений реформ и образования: Имам Мухаммед Абду
عبقري الإصلاح والتعليم: الإمام محمد عبده
Жанры
إلى آخر الجواب مما يدل عليه أوله المتقدم.
وبعد أسبوعين من صدور هذه الفتوى من قبل شيخ الأزهر - الشافعي - صدرت الموافقة عليها من مفتي الديار المصرية، وهو حنفي المذهب، فقال: إن «ما أفاده حضرة الأستاذ شيخ الإسلام موافق لمذهبنا، وما استظهره من أن الخلاف الجاري في علم المنطق يجري في علم الطبيعة أيضا وجيه، والله سبحانه وتعالى أعلم.» •••
ويستطيع الناظر في تضاعيف هذه الفتوى أن يلمح منها أنها تفتح الباب فيما أباحته للتفرقة بين طريقة وطريقة وغاية وغاية، ولا سيما في المنطق والطبيعيات، فلا يشق على المعارض في تدريس علم منها أن يؤجل تدريسه على الأقل إلى أن يثبت خلوص الكتاب المقرر من الشوائب الممنوعة، وابتعاد المدرس له عن مذهب الفلاسفة أو مذهب المنجمين، ولا يصعب على المعترض أن يحسب الإنباء عن مواعيد الكسوف والخسوف والقرانات الفلكية المحققة افتياتا على الغيب، لجواز الخطأ فيها على الناظر كما جاء في الفتوى.
وتلك كانت النية منذ صدرت الفتوى اضطرارا بهذا التحفظ والتقييد، فإن الشيخ قد أصدرها وهو ينوي تعطيل برنامج الإصلاح بأمثال هذه الحجج التي لا تعيي أحدا يريدها بعد السير في خطوات التنفيذ العملية. وقد عاد الشيخ محمد عبده من المنفى، واقترح على الشيخ الإنبابي هذا تدريس مقدمة ابن خلدون، فلم يجبه إلى مقترحه وقال: «إن العادة لم تجر بذلك ...» ثم سكت حين أراد الشيخ محمد عبده أن يبين له وجه المشابهة بين المقدمة وما يدرس من كتب المتأخرين على عهده، ولم يرد أن يدخل في الحديث. •••
لا جرم يكون صدور هذه الفتوى العقيمة هو كل ما تم من «مشروعات» هذا الإصلاح، فلم تزل حبرا على ورق إلى العهد الذي أنشئ فيه للأزهر مجلس خاص لوضع الفتوى في موضع التنفيذ، وكان الشيخ محمد عبده عضوا فيه، وقد عين للأزهر وكيل ذو كفاية وخلق، له «شخصية قوية» لا يسهل إهمالها، وهو الشيخ حسونة النواوي من أصدقاء الشيخ محمد عبده، وأركان المدرسة الجديدة من بين العلماء المجددين، وقد اتفقت الآراء على اختياره ليحول دون تعطيل «المشروعات» عند تطبيقها، إذا صدرت بها القوانين والمراسيم.
مضى بين اتصال الشيخ محمد عبده بالأزهر وصدور تلك الفتوى نيف وعشرون سنة، حضر فيها مراحل هذه الحركة من بداءتها الأولى وهو طالب ومدرس ومشرف على الإدارة والتدريس.
وصل إلى الأزهر طالبا حوالي سنة 1866 ميلادية، فاجتهد لنفسه في البحث عن أساتذته ودروسه، ثم أغناه حضور جمال الدين إلى مصر عن المعلمين فيما يحتاج إلى المعلم، وأغناه ذكاؤه وصبره عن الكتب المقروءة في حلقات التدريس؛ إذ كان يبحث عن الكتاب المفيد حيث أصابه، فيقرؤه لنفسه ويجني منه خير ما يجني من الفائدة في زمن وجيز، يريحه من حضور دروسه على المعلمين «التقليديين»، وكثيرا ما يكون من غير الكتب المقررة لدراسة الحلقات.
وقد مر بنا كيف كان الناشئ محمد عبده يبتلى بالنقيضين على مفترق الطريق في معاهد تعليمه منذ صباه، ولكن مفترق الطريق هذا كان في عهده الأول بالأزهر على أبعد ما تكون الشقة بين النقيضين، فقد كان من طرف الجمود يترامى إلى زاوية الجمود السحيقة في كهف الشيخ محمد عليش، وكان من طرف التجديد يترامى إلى غاية مرماه، حيث تتطامن العقبات والسدود، في ساحة جمال الدين، بل في ميدان جمال الدين.
وقد كان الشيخ محمد عليش رجلا صالحا عفيفا عن المطامع الدنيوية التي كانت تستهوي طلاب المظاهر من علماء عصره، وكان مخلصا صادق النية في كراهة البدع التي يخشى منها على الدين، ولكنه إخلاص قاده إلى التطرف الشديد، وأوشك أن يبغض إليه كل تفكير يستقل به طالب العلم، ولو كان من تفكير حكماء الإسلام.
وأبلغه ابنه يوما أن طالبا بالأزهر يحضر على جمال الدين ويقرأ كتب المعتزلة والمتكلمين، فحمل عكازه وذهب مع ابنه وأصحابه الشبان إلى حيث يجلس ذلك الطالب الجريء، ودارت بين العالم الكبير والطالب الناشئ مشادة، أحرى أن تسمى مشاجرة؛ لأنها انتهت إلى التماسك بالأيدي واعتصام العالم الكبير بعكازه، وألجأت الطالب الناشئ إلى اصطحاب عصاه كلما ذهب إلى حلقته؛ ردا لعادية الزملاء المستأنسين بحماية شيخهم، إن لم يكن ردا لعادية الشيخ الوقور.
Неизвестная страница