Гений реформ и образования: Имам Мухаммед Абду
عبقري الإصلاح والتعليم: الإمام محمد عبده
Жанры
بهذه العزيمة عاد من منفاه وهو ينيف على الأربعين، ولا بديل له من استكانة اليأس إلا أن يقبل بكل ما أوتي من الثبات والأمل على العمل الذي آمن بأنه رسالته الباقية في الحياة، ووثق من جدوى الاعتماد عليه طول الزمن؛ إذ لا جدوى للاعتماد على السياسة والساسة غير خداع السراب.
ولو أننا ألقينا على لسانه كلاما يقوله في هداية التعليم كالذي قاله في ضلال السياسة، لخلناه قائما قاعدا يقول: «بارك الله في العلم والتعليم، وفي علم وتعلم، وفي عالم وعليم ومعلوم، وفي كل حرف من حروف العين واللام والميم!»
تقرب من الخديو فلم يكن تقربه إليه ليخدم سياسته؛ ولكنه أراد أن يقود الخديو إلى إحياء النهضة العلمية في أقدم الجامعات الشرقية، وأن يجري على يديه تطهير الدواوين حيث يتصل الديوان بأعمال الخير والإحسان، أو يتصل بتربية البيت وصيانة الأسرة وحسن الوصاية على الأزواج والأبناء.
وبعد بضع عشرة سنة لمع في أفق السياسة آخر بروقها الخلابة في فضاء القضية القومية، وعرضت الدولة الفرنسية سرابها الأخير على الذين استنجدوا بها لإنقاذ مصر من مهاوي الاستعمار، ثم أسفرت مساعي الخفاء عن العلن المكشوف، فإذا هو اتفاق بين الدولتين - بريطانيا وفرنسا - على تبادل التصرف المطلق في مصر ومراكش، تفعل كل منهما ما تشاء بالبلد الذي استولت عليه، وتتفقان معا ذلك الاتفاق الذي سموه بالودي لإقناع الدولة الأخرى بمثل هذا التفاهم على صفقات الاستعمار.
واطمأنت بريطانيا العظمى إلى مكانها بوادي النيل، وبدا لها أنها إذا نزلت للمصريين عن سلطانها على الحكومة لم يتأولوا ذلك بالاضطرار إليه خوفا من إثارة قضية مصر في محيط السياسة الدولية، ولكنهم يتقبلون منه ما يرضيهم باختيارهم ويرضي الدولة المحتلة باختيارها؛ فأرسلت صديق العرابيين القديم - سكوين بلنت - يسأل مفتي الديار رأيه في أسس الدستور التي يقام عليها بناء الحكومة ونظام الإدارة، فكانت خلاصة جوابه على ما يفهم من بين سطور الصحف التي حرفت هذا الجواب: أن يكون الدستور مقيدا لسلطة الاحتلال وسلطة الخديو، وأن يكون إعلانه ضمانا من السلطتين باحترامه ومنع المساس بحقوقه، وأن يكون للرئيس المصري حق جدي في ديوانه، فلا يكون عمله فيه عالة على الرؤساء الإنجليز، وأن يكون نظام التعليم إجبارا في جميع أنحاء البلاد، وأن تكون للمجلس النيابي حقوق الإشراف على السلطة التنفيذية أو سلطة الوزارة، فإذا اختلف مجلس النواب ومجلس الوزراء عرض الخلاف على هيئة مشتركة من النواب وقضاة محكمة الاستئناف، وتلتزم الوزارة بحكم هذه الهيئة، فلا يكون لولي الأمر من سلطان على الحكم، إلا ما يتقبله الوزراء ويحتملون تبعته في حدود الدستور والقانون.
كان هذا قبيل وفاة المفتي بسنة واحدة (سنة 1904)، وكان للاحتلال أجل في علم الغيب لم ينته قبل نيف وخمسين سنة، ولم يكن له في علم الإنسان أجل محدود، ولكنه لم يكن أمل الغد القريب بعد بضع سنوات على كل حال، ولو أنه كان - من التفاؤل الطامح - أمل سنوات عشر أو عشرين لما كان في الوسع أن تدار الحكومة خلال هذه المدة بالدعوة إلى الإضراب وترك الحكم كله بين أيدي المحتلين، ولو بدأت الدعوة إلى الإضراب في تلك السنة لما نفذت ولا تم الاتفاق عليها قبل انقضاء تلك السنين، فليس تقدير وقوع الجلاء فعلا في تلك السنة إلا تسجيلا بعبارة أخرى لانفراد المحتلين بالولاية على الدولة بمعزل عن أبناء البلاد في جميع الدواوين.
وقد كان المفتي موظفا يتولى عمله في خدمة بلاده مع مئات من خيرة أبناء الوطن في مناصب الوزارة والقضاء والتعليم والبناء والتعمير، فإذا كان العاملون في السياسة قادرين على تبليغ أمانتهم بالكتابة في الصحف والخطابة على المنابر، فأمانة الموظف الذي يخدم بلاده لا تؤدى في غير الديوان، ولا يزال لقاء المستشار والمفتش والعميد عملا من أعماله المتكررة إن لم تكن من أعماله اليومية، وبخاصة مستشار وزارة التشريع، ولا تؤدى وظيفة واحدة بغير الرجوع إلى هاتين الوزارتين.
ولا موجب هنا للموازنة بين من يعدون الأمم للاستقلال بالدعوة السياسية ومن يعدونها للاستقلال بالتربية والتعليم، فإن الأمم تستطيع على الدوام أن تعتمد على كلتا الخطتين، وأن ترشح لكل منهما من هو أصلح لها وأقدر عليها وأرغب فيها، وليس ثمة من ضرورة توجب عليها أن تختار هذه وحدها أو تلك وحدها، منفصلتين غير مجتمعتين.
وإنما المسألة هي مسألة هذا المصلح القدير على الإصلاح، أي الخطتين يختار، وأيتهما ترجى منه منفعتها، ويؤمن فيها على وقته وجهده من الضياع والفوات.
إن هذا المصلح الذي تمت له عدة الإصلاح وقيادة الأمة في طريق التقدم والحرية قد جرب السياسة فلم تثمر له ثمرة يرضاها.
Неизвестная страница