Гений реформ и образования: Имам Мухаммед Абду
عبقري الإصلاح والتعليم: الإمام محمد عبده
Жанры
ونرى من وفاء البحث أن يتمم هذا الفصل بالنظر في موضع التساؤل من هذه الفترة في علاقة الأستاذين الحكيمين على رأي بعض المؤرخين المعاصرين، كالأستاذ عبد الرحمن الرافعي فيما تناول به سيرة الأستاذ الإمام من تاريخ الثورة العرابية ... فقد كتب إلينا أديب علم أننا نكتب سيرة الأستاذ الإمام، فاستحلفنا ألا ننسى هذه المسألة في موضعها من السيرة وقال: «ومما أرجوه أن تناقشوا ما جاء في كتاب الثورة العرابية، تأليف الأستاذ عبد الرحمن الرافعي بالصفحتين 542 و543، وهو:
ونقطة الضعف في شخصيته - أي شخصية الأستاذ الإمام - هي تخلفه عن الكفاح السياسي، واختلافه في هذه الناحية مع أستاذه جمال الدين الأفغاني، وقد بدأ انقطاعه عنه منذ عودته إلى مصر سنة 1889، فترك أستاذه يعاني متاعب الكفاح السياسي وآلامه ومرارته، وكان من قبل عضده وساعده الأيمن، وإنك لتلمح تراخي الصلات بينهما حتى الصلات الشخصية منذ أن عاد إلى مصر حتى وفاة السيد جمال الدين. من قراءة منتخبات الأستاذ الإمام، فإنك لا تجد فيها رسالة واحدة كتبها إلى السيد في محنته ومنفاه، بل إن جمال الدين توفي سنة 1897، فلا تجد للأستاذ الإمام كلمة في رثاء أستاذه الروحي والفلسفي وزميل جهاده في العروة الوثقى، وهذه الناحية هي أثر من آثار الاحتلال في أخلاق الأمة ونفسيتها.
ولا حاجة إلى القول - بعد البيان المتقدم - بأن هذا النقد أثر من آثار الإسراع في المؤاخذة لغير سبب يوجبها ولا حجة تسندها، فما كان في الأمر من شيء يوصف بالضعف على معنى من معانيه؛ لأن الضعف إنما يكون حذرا من ضياع منفعة أو خوفا من وقوع ضرر، ولم يكن في الكتابة إلى السيد محذور على الكاتب يتقيه، وإنما المحذور كله على السيد أن يصيبه من القوم ما هو في غنى عن احتماله، ويأبى هو أن يسميه خطرا يتوقاه. ولا نظن المؤرخ الفاضل كان يريد من الأستاذ الإمام أن يتلقى بعد كل مراسلة تقريعا كذلك التقريع يرمى فيه بالوجل والهلع، وينهى فيه عن تصوير الخطر ولو بالتلميح إليه. وقد كان جمال الدين - رضوان الله عليه في دار خلوده - يأبى أن يحسب نفسه سجينا مرغما على البقاء حيث كان بضيافة السلطان، فإنه بقي هناك بعد أن سدت في وجهه مسالك البلاد، وسد هو أمام نفسه ما كان مفتوحا بين يديه، ولو أنه شاء الترحل عن الآستانة لما تعذر عليه ذلك، بل حدث مرة أنه هم بالترحل منها وانتقل إلى مكان تحميه السيطرة الأجنبية، ثم لم يلبث أن غادره وعاد إلى داره، تلبية لرجاء السلطان وأنفة له أن يذل أمام أعدائه في عاصمة ملكه.
ويستطيع المؤرخ الفاضل أن يعلم - لو شاء - أن الأستاذ الإمام قد أفاض في ترجمة السيد جمال الدين في تصديره لترجمة الرد على الدهريين، ولكن الأستاذ الإمام شغل عن كتابة سيرته هو - أي سيرة محمد عبده بقلمه - مع الحاجة إليها لدفع مفتريات الخصوم عليه، وما أكثر تلك المفتريات عليه في حياته وبعد مماته! وإن في بعض ما كتبه منها لتنويها - أشرف التنويه - بفضل جمال الدين عليه، ولا يطلب من تلميذ بلغ أوجه من المكانة في العالم أن يعترف لأستاذ له اعترافا أكرم وأرفع من قول محمد عبده عن جمال الدين: إن ميراثه منه أقدس من ميراثه الأبوي؛ لأنه ميراث في الروح بصفوة الرسل والقديسين. •••
وبعد هذا الاستطراد العارض في موضعه، نعود فنقول إنه لم يقاطع جمال الدين يوم كانت صحبته له تنفيه نفي الأبد عن أهله ووطنه، وقد عاد إلى بيروت وهو في حكم المنفي من مصر مدى الحياة، ولكنه خرج منها بأعجوبة من أعاجيب السياسة تصدق عندنا تجارب الشيخ الحكيم للفضل السياسي الذي يحسن فيه صاحبه وهو ينوي أن يسيء؛ فقد توسط له في العودة إلى مصر اثنان هما: الغازي أحمد متار باشا وكيل السلطان بالقاهرة، والأميرة نازلي فاضل وريثة البيت المنافس لبيت إسماعيل من فرع الأسرة الخديوية، ومركزه الآستانة.
ذلك فضل باطنه الذي لا خفاء به أن الرجل أقصي من بيروت بطلب خفي من السلطان العثماني، ليأمن عاقبة دعوته إلى الإصلاح والحرية في إحدى عواصم الدولة العثمانية والبلاد العربية، ولولا ذلك ما جاءت الوساطة - من كلا طرفيها - من هذا الطريق.
الفصل الثامن
مع الثورة العرابية
كان الشيخ محمد عبده ثائرا ولكنه لم يكن عرابيا؛ لأنه كان على خلاف مع الزعيم أحمد عرابي في برنامجه العملي، ولم يجمع العزم على تأييد العرابيين إلا لتوحيد الصفوف في وجه الاحتلال الأجنبي، بعد التجاء الخديو توفيق إلى الدولة البريطانية.
كان يؤيد الثورة في أمرين: «أولهما» تنبيه للرأي العام وجمع كلمته للمطالبة برفع المظالم وإصلاح الحكم، وإسناد المناصب الكبرى ووظائف الحكومة عامة إلى الوطنيين، و«ثانيهما» - وهو أحوج إلى الوقت والأناة - هو التعويل على إنهاض الأمة وإقامة نهضتها على أسس التربية والتعليم، وإعدادها للحكم النيابي المستقل برغبتها الصادقة وقدرتها على صيانته من عبث الولاة والمتسلطين؛ لأنه - كما تقدم - كان سيئ الظن بالنظم التي تأتي من جانب الملوك والأمراء بعد تجربة هذه النظم في سائر البلاد الشرقية، ولا فرق عنده بين المجالس النيابية وبين دواوين الحكومة إذا لم تكن للأمة قدرة على حماية مجالسها.
Неизвестная страница