Гений реформ и образования: Имам Мухаммед Абду
عبقري الإصلاح والتعليم: الإمام محمد عبده
Жанры
وفي هذه الوصايا يقول الحكيم: «ضاعف لأمك خبزها، واحملها كما حملتك، لقد أثقلتها وما نبذتك، وظلت تحملك حول عنقها بعد ميلادك، وظل ثديها ثلاث سنوات في فمك، ولم تأنف من تنظيفك، ولم تقل قط: ماذا أصنع بهذا؟ وأرسلتك إلى المدرسة تتعلم الكتابة، ووقفت لك بالخبز والشراب كل يوم تنتظرك. واذكر إذا تزوجت وانفردت بمنزلك كيف ولدتك أمك، وكيف ربتك وتعهدتك بكل ما عندها من وسيلة عسى ألا تصيبك بضرر، ولا ترفع يديها إلى الله بالدعاء عليك، ولا يستمع الله منها إلى شكاية.»
فهذه الرحمة البيتية قديمة لم تتغير في الزمن الحديث، ومن عظم الرأفة بالبنين أن يمتد زمن الرضاع لهم إلى ثلاث سنوات كما يفهم من هذه الوصية، وأن الرأفة في تلك الأجيال السحيقة الغريبة ولو كانت رأفة الآباء بالبنين ... فالمصري اجتماعي من ناحية الأسرة وعراقة المعيشة الحضرية، أو اجتماعي من ناحية انتظام العادات والعلاقات منذ أجيال مديدة على نظام الأسر والبيوت، وهذا هو أقوى ما يربطه بالمجتمع أو يربطه بالأمة والحياة القومية. •••
إن العصور المتطاولة قد استنزفت من ثروة القرية - أنفسا وأموالا - غاية ما استطاعت أن تسلبه أو تقنيه مما لا يحصره الإحصاء، وقد نحصره بتقدير الحساب فيكفينا أن نعلم أن تعداد أبناء مصر هبط إلى ما دون الملايين الثلاثة في أخريات عهد المماليك، بعد أن أربى على الثلاثين في بعض عصور الفراعنة على تقدير بعض المؤرخين!
وربما هبط سكان القرى إلى نحو الثلثين على الأكثر من هذه الملايين الثلاثة التي بقيت في القرن السابع عشر بعد الهجرة إلى المدن والفرار على غير قرار.
وجاء عصر الإقطاع بعد الدولة الأيوبية، فصفى هذا العدد تصفيته الأخيرة حين قسم أبناء القرى إلى فريق ملازم للقرية وسماهم بالقراريين، وفريق متردد بين القرى لا ينتسب إلى مكان معلوم منها سماهم بالفراريين، ومن ذلك الحين أصبحت صفة «القراري» عنوانا على العمل المتقن والصنعة المحكمة، وقيل عن كل صانع يحسن عمله ولا يبالي أن يحمد عليه إنه قراري في هذه الصناعة، حتى بلغ من سوء استخدام هذه الكلمة في غير موضعها أن وصف بها «اللص القراري» والمحتال القراري، بعد أن كانت وصفا للزارع الخبير بشئون السقي والبذر والحرث والحصاد، لاستقراره في القرية وعلمه بطبيعة الأرض والجو وتقلبات الأهوية وعوارض الآفات، خلافا للزارع الفراري الذي لا يعرف من كل قرية غير موسمه فيها وأجرته من محصولها.
هؤلاء الفلاحون «القراريون» حملوا أوزار المظالم من قديمها، ولكنهم احتفظوا كذلك بذخيرة العرف وشريعة من الحياء من أصولها، وحسبهم من هذه الذخيرة أن يأنف أحدهم أن يخزى هذا القريب أو ذاك النسيب بالعار الموروث، وكل عار في القرى موروث إلى الأعقاب وأبناء الأعقاب ... أو حسبهم أن يقف بهم الاحتمال عند الحد الذي لا يحمد بعده احتمال، ثم ينقلب بعد ذلك من الصبر إلى الثأر، أو يتحول من هذا الجوار إلى ذلك الجوار، فإن عم البلاء كل جوار حوله في حقبة من الزمن، فهو البلاء الذي يعم عاره ولا تلصق وصمته بهذا الجبين دون ذلك الجبين، بين آلاف ومئين.
وفي هذا القرار من القرية نشأ في القرن التاسع عشر رفاعة الطهطاوي، وعلي مبارك، وعبد الله فكري، وحسن الطويل، وأحمد عرابي، ومحمد عبده ... وكلهم بعثت به القرية إلى الجامع الأزهر، وبعث به الجامع الأزهر إلى ميدان الكفاح والإصلاح.
الفصل الثالث
الأزهر
في منتصف القرن الثامن عشر (1748) أسندت ولاية مصر إلى الوزير العالم أحمد باشا كور، وكان من المشتغلين بعلوم الهيئة والرياضة، فرغب في مذاكرة علماء الأزهر الذين يدرسون تلك العلوم في حلقاتهم بالمسجد الجامع، وخاطب مقدم العلماء الشيخ عبد الله الشبراوي في ذلك ومعه عالمان من كبار علماء العصر هما الشيخ سالم النفراوي والشيخ سليمان المنصوري، فسكتوا ثم صارحوه بأنهم يجهلون تلك العلوم ولا يشتغلون بتدريسها، وانصرفوا بعد أول لقاء بينهم وبين الوالي وهم يحسبون أنها مسألة فرغ الحديث منها، ولكن الوالي عاد إلى الحديث مع الشيخ الشبراوي في جلسة من جلساته معه بعد صلاة الجمعة بمسجد القلعة، وكانت الخطبة في ذلك المسجد من عمل الشيخ الشبراوي، يؤم المصلين ومنهم الوالي، ويتناول الغداء على مائدته بعد الصلاة، ويجري الحديث بينهما أحيانا على شئون الأزهر وشئون الدين على العموم، ثم ينصرف إلى موعده من الأسبوع الذي يليه.
Неизвестная страница