وكان سعيد يقرأ الكتاب ويقف عند كل فقرة، ويهز رأسه استغرابا، حتى أتى على آخر الكتاب فدفعه إلى الأمير عبد الله وأطرق، وكان الأمير عبد الله وهو يسمع ما يحويه الكتاب ينظر إلى عابدة، فرآها قد تركت العود من يدها وقد بدت الدهشة على محياها، وتظاهرت بأنها تتهيأ للنهوض، فعظم ذلك على الأمير عبد الله، فلما أعاد سعيد الكتاب إليه تناوله وقال: «أرأيت ما بلغ من طمع أخي في؟ أصانعه وأجامله وألتمس رضاه وهو يهددني ويلح في طلبه!»
فقال سعيد وهو يظهر الدهشة: «لم يكن ذلك ليخطر ببالي أو أصدقه لو لم أقرأ هذا الكتاب بنفسي!»
فقال الفقيه بنغمة الفائز الظافر: «أما أنا فلم أكن أستبعده، وقد أشرت إلى مولاي الأمير عبد الله بمثل ذلك؛ لأني كنت أتوقعه، وهو - حفظه الله - يحسن الظن بأخيه، وربما أساء الظن بي، وحسبني أقول ما قلته لغرض لي، فهذا كتابه جاء شاهدا يؤيد قولي، فما عليك يا مولاي إلا الطاعة، فإن الرفض يجر إلى البلاء.»
فكبر على الأمير عبد الله تهديد الفقيه واستخفافه بعزمه أمام الفتاة فقال: «الطاعة؟! وهل لولي العهد الحكم طاعة علي في مثل ذلك؟! لم يبق إلا أن يطلب نسائي وأولادي إليه، أو لعله يريد أن أكون في خدمته أيضا!» قال ذلك وهو يهز رأسه.
فقطعت عابدة كلامه وهي تهم بالنهوض قائلة: «لا أريد أن أكون سببا في الخلاف بين الأمير وأخيه، فأولى بي أن أخرج أنا من هذه الدار وأعود إلى خبائي، أو أرجع إلى بلدي، ولست أنا أهلا لأن أكون موضع نزاع. لقد عهدنا أبناء الخلفاء يتنازعون على الخلافة، ولكنهم يتهادون الجواري والمغنيات والمقاطعات.»
فمد الأمير عبد الله يده إليها وأمسك بثوبها وأجلسها، وقد هاجت فيه الأريحية وقال: «ألا تعلمين أن خروجك من قصري إهانة لي، كأني عاجز عن حمايتك فيه. كيف يتسنى لأخي أن يأخذك مني قسرا؟ وإن تمكن من ذلك فإنني أخرج من هذا القصر قبلك.» قال ذلك وقد ظهر الغضب في عينيه.
فجلست عابدة وهي تتظاهر بالإذعان والانكسار، وتنظر إلى سعيد كأنها تستنجد به.
فنظر سعيد إلى الأمير عبد الله وقال: «تمهل يا مولاي. أعرني سمعك لحظة.»
فسكت الأمير عبد الله وقال: «تكلم، إني مستمع إليك.»
فتلفت سعيد في أطراف القاعة، كأنه يخشى أن يسمعه أحد، وقال: «هل نحن في مكان مصون لا بأس علينا إذا تكلمنا من واش أو رقيب؟»
Неизвестная страница