فقطعت كلامه قائلة: «لا، لا أريد ذلك، وإن كنت أراه بعيدا عني، إذ ليس في ما يبعث على الإعجاب، وأنا فتاة مسكينة أحفظ الأبيات من الشعر وأتلوها وهذا لا يعجب إلا القليلين. وهب أني كما قلت فأنا لا أريد أن أستقر في قلب أحد سواك. آه يا سعيد!» وتلعثم لسانها وكاد الدمع يتناثر من عينيها، فضحك سعيد باستخفاف، وقال: «كم يجب أن أكون سعيدا بهذه المحبة!»
قالت عابدة: «إنك سعيد يا سعيد، وأنا الشقية.» وغصت بريقها.
فابتدرها سعيد قائلا: «لا أزال أراك تستسلمين للشك.»
قالت عابدة: «كلا، ولكن قلبي يدلني. لا لا، لا شك أنك تحبني ولو على سبيل الشفقة علي. ألا تشفق على قلبي! طبعا أنت ترى ما أنا فيه من الهيام بك، وترى أني أتفانى في سبيل مرضاتك، فكيف لا تحبني أو لا تشفق علي!» ومسحت عينيها بكمها.
فنظر إليها وحدق فيها وقال: «أراك عدت إلى الشك.»
فقطعت كلامه مسرعة وقالت: «لا، لا، أنا واثقة بك فافعل ما تريد.»
قال سعيد: «سترين صدق قولي، والآن افعلي ما قلت لك. ولكن أخاف أن تغار الزهراء منك.»
قالت عابدة: «ولماذا؟ أنا لا أسابقها على شيء إلا إذا كانت تسابقني هي.» وعضت على كمها بأسنانها كأنها تلهو بذلك عن التصريح بما كادت تنطق به.
فوقف وهو يمد يده إلى يدها ليصرفها، فأحست أنه يريد الذهاب فجذبت يدها من يده وقالت: «هل أنت ذاهب؟»
قال سعيد: «نعم، ولكننا سنكون معا الليلة في حضرة الخليفة.»
Неизвестная страница