الفصل الثاني والخمسون
إسماعيل وجعفر
وفي صباح اليوم التالي، علم أن الرشيد بعث إلى جعفر فجاءه فأجلسه إلى يمينه وأكرمه غاية الإكرام، وبش في وجهه وحدثه ساعة وأهداه هدايا كثيرة في جملتها غلام خادم من خاصة خدمه، وأنبلهم، وأوضحهم وجها، وأكملهم ظرفا، كاتبا، حاسبا، لبيبا، وأن جعفر سر سرورا كاملا بذلك، فعجب إسماعيل من مقدرة الرشيد على كتمان ما في نفسه من شدة الحنق والضيق والغضب. وربما تبادر إلى ذهنه أن الرشيد قد صفح وذهب ما يحفظه على جعفر، لولا ما علمه من إطلاق سراح العلوي، والرشيد يكره تلك الشيعة ويخاف منها على ملكه.
ثم علم إسماعيل بعد يومين أن الرشيد خلع على وزيره وعقد له لواء على خراسان، فظنه قد صفا له، فتمنى أن تزول الضغائن بهذه الطريقة، وتعود المياه إلى مجاريها، ولا سيما بعد أن علم برضاء جعفر عن هذه الولاية، وإسراعه في إرسال أعوانه ورجاله يتقدمونه إلى النهروان خارج بغداد، فإنهم ذهبوا وضربوا مضاربهم هناك وأخذوا يتأهبون للرحيل إلى خراسان، والبلد بعيد الشقة يحتاج إلى الأحمال والأثقال. فلما تحقق إسماعيل من قرب سفر جعفر، رأى أن يزوره ويودعه ويسعى في إزالة ما قد يكون باقيا في نفس الرشيد بوسيلة خطرت له.
وأما جعفر فلم يكن ذلك كله ليذهب ما في قلبه على الرشيد، ولكنه رأى في سفره إلى خراسان بابا للفرج، وعزم على مخابرة العباسة في شأن الفرار معه. ففي اليوم الذي احتفلوا بالخلع عليه عاد إلى قصره في الشماسية؛ وهو من جملة قصور البرامكة في ذلك الحي. وكان لهم عدة قصور هناك أشهرها قصر يحيى بن خالد عند باب الشماسية، وقصر له آخر في باب
1
وكان جعفر في ذلك العام مقيما في قصره بباب الشماسية، ولا تقل قصوره فخامة عن قصور الرشيد. يكفي ما تقدم من وصفها في القصيدة التي دستها أم جعفر إلى زوجها، وفيها قول الشاعر في وصف تلك الدار:
وقد بنى الدار التي ما بنى ال
فرس لها مثلا ولا الهند
الدر والياقوت حصباؤها
Неизвестная страница