وانتبه الملك إلى صوتها وفتح عينيه بحالة هياج مستعر، وجلس في فراشه بعنف غريب، ونظر إليها بعينين يتطاير منهما الشرر، وقال بصوت جنوني لم تعهد سماعه من قبل: أتبكين أيتها الملكة القاتل الأثيم؟!
فقالت بذلة ودموعها ذوارف: إني أبكي حظي التعس يا مولاي.
فصاح بها بغضب جنوني: لقد ولدت لي مجرما أيتها المرأة. - مولاي. - واقتضت الحكمة الإلهية أن تورده حتفه؛ لأن العرش لم يخلق ليجلس عليه المجرمون!
فصاحت المرأة مولولة: الرحمة يا مولاي! رحمة بقلبي وقلبك! لا تحدثني بهذه اللهجة التي ترعبني. إني بحاجة إلى العزاء، فهلا تناسيت تلك الذكرى الأليمة؟ كان ابننا وما أحقه بالرثاء الآن!
فهز رأسه هزات عنيفة جنونية وقال: أراك تترحمين عليه! - يحق لنا أن نبكيه يا مولاي، ألم يخسر الدنيا والأبدية؟
فأمسك الملك رأسه وقال بذهول: رباه ... ما هذا الجنون الذي يدور في رأسي؟ ما هذه الضربات التي تتوالى على رأس فرعون؟ كيف لهذا الرأس بحمل تاج المصريين بعد الآن، وهو ينوء بالشعيرات البيضاء التي أبقاها الدهر له. أيتها الملكة، إن فرعون يعاني عهدا جديدا بالحياة ولن ينفعه توجعك، فإلي بأبنائي وبناتي ... إلي بأصدقائي جميعا. نادي خوميني وميرابو وأربو وددف. هيا ...
وغادرت الملكة التعسة مخدع فرعون وأرسلت في طلب الأمراء، والأميرات، والأصدقاء، ودعت من نفسها طبيب الملك الخاص كاري.
ولبى الجميع النداء، وحضروا سراعا واجمين، ينوءون بصمت مرهق كأنهم يقصدون إلى مأتم رهيب، ودخلوا مخدع الملك، فلم يلبث فراشه أن صار بين صفين من آل بيته، وأصدقائه المقربين، وكان الملك ما يزال مهتاجا عنيفا زائغ البصر، فنظر إلى طبيبه كاري وقال بعنف: لماذا أتيت أيها الطبيب ولما أدعك؟ لقد لازمتني أربعين عاما طوالا لم أشك إليك في أثنائها مرة، وأحر بمن يستغني عن الطبيب في حياته أن يستغني عنه في مماته.
فاضطربت النفوس لذكرى الموت، وهالها ما ترى من هياج الملك واختلاط أعصابه. أما الطبيب كاري فقد ابتسم برقة وقال: مولاي يحتاج لجرعة ...
وقاطعه الملك صائحا: دع مولاك واغرب عن وجهي.
Неизвестная страница