فاستقل العربة وركب معه الضابط والسيدة، وحملهم إلى قصر ولي العهد، وطلب إلى السيدة أن تنتظر في مكانها، ودخل القصر يتبعه الضابط. وطلب مقابلة الأمير، فدعي إلى حجرته، ووجده الشاب على غير عادته مضطربا وإن حاول أن يمسك زمام نفسه، ولم يعن هذه المرة برد تحيته وابتدره قائلا: أيها القائد ددف، إني أذكر دائما إخلاصك الذي أنقذ حياتي من موت محقق، وأرجو أن تذكر نعمتي عليك إذ كنت جنديا صغيرا فجعلتك قائدا كبيرا، وكللت هامتك بالمجد والخلود.
فقال ددف بحماس: إني أذكر هذا ولا أنساه، وهيهات أن أنسى آلاء مولاي الأمير.
فقال الأمير: إني أحتاج إلى إخلاصك هذه الساعة، فاصدع بما تؤمر واتبع وصاياي بعناية لا تدع للتردد سبيلا إلى قلبك. أيها القائد، لا تسرح جيشك، بل استبقه حيث هو معسكرا خارج أسوار منف، وانتظر أوامري التي تأتيك عند مطلع الفجر، وإياك أن تتردد عن تنفيذها مهما كانت غريبة، واذكر دائما أن الجندي الباسل ينطلق كالسهم إلى هدفه دون أن يسأل مطلقه.
فقال ددف: سمعا وطاعة يا صاحب السمو. - انتظر رسلي في المعسكر عند الفجر ولا تغفل عن ذكر وصاياي.
قال الأمير ذاك، ثم وقف معلنا انتهاء المقابلة، فانحنى ددف لسموه وغادر الحجرة متعجبا شارد الخاطر متحيرا من أمره، يقول لنفسه: ترى ما هي الأسباب التي دعت الأمير إلى أمره بإبقاء الجيش في معسكره؟ وما عسى أن تكون الأوامر الغريبة التي ستأتيه بها الرسل عند الفجر؟ ما من عدو يهدد الوطن، وما من عصيان يهدد الأمن، وكل مصري يتخذ وجهته الطبيعية تحت رعاية فرعون وحكومته، فما وجه الحاجة إلى الجيش؟
وعاد قلقا إلى العربة التي انطلقت به والسيدة التي تصحبه، وكان كلما اقتربت به العربة من بيت بشارو تخف حيرته، وتذهب وساوسه ويتحول عقله إلى أهله الذين ينتظرونه على الجوى بعد أن طال الشوق به وبهم، ووصلت العربة إلى البيت فأدخل الشاب السيدة حجرة الضيوف، وصعد إلى الأعزة المشوقين، فتلقته أمه زايا بذراعين مفتوحتين، وانهالت عليه بالقبل وضمته إلى صدرها بشدة، ولم تتركه إلا حين انتزعه من يديها بشارو وهو يقول: أهلا بالابن الظافر، والقائد الباسل!
وقبله في خده وجبهته، ثم عانق ددف أخويه خنى ونافا، وسلم على زوج الأخير، وكانت تحمل على ذراعها طفلا رضيعا، فقدمته إليه وهي تقول: انظر إلى سميك ددف الصغير! ... سميته باسمك عسى أن توفقه الآلهة للمجد كعمه العظيم.
فنظر ددف إلى نافا وحمل الصغير بين ذراعيه وقبل شفتيه الرقيقتين، وقال لأخيه: يا له من صورة جميلة!
فابتسم نافا الذي كان سعيدا بابنه سعادته بفنه، وأخذ الطفل بين يديه.
ووجد ددف الفرصة سانحة لإعلان خطبته السعيدة، فقال لنافا: لن تكون أبا وحدك يا نافا.
Неизвестная страница