ولكن القائد لم يقنع وقال لمولاه: عفوا يا مولاي لا شأن لي بالأسود، وها أنا ذا واقف بين يديه فليجرب في سحره وفنه، وله إن شاء - وشاء أن يجعلني أومن به - أن يخضعني لإرادته ويتسلط على قوتي ...
وساد صمت ثقيل، واعتلى الوجوم وجوها، وتبدت الغبطة وحب الاستطلاع على وجوه أخرى. ونظر كلا الفريقين إلى الساحر؛ ليروا ما فعل به تحدي القائد العنيد، فألفوه هادئا ساكنا لا تفارق ابتسامة الثقة شفتيه الرقيقتين الحادتين. وضحك الملك ضحكة عالية وقال لأربو بلهجة لم تخل من السخرية: أهانت عليك نفسك يا أربو؟
فقال القائد بثبات عجيب: إن نفسي يا مولاي عزيزة علي عزة عقلي الذي يهزأ بألاعيب السحر.
وتجلى الغضب على وجه الأمير هورداديف، فوجه كلامه للقائد قائلا بلهجة حادة: فليكن ما تريد. وليتفضل مولاي الملك ويأذن لديدي بالرد على هذا التحدي.
ونظر الملك لابنه الغاضب، ثم إلى الساحر وقال: هيا أرنا كيف يقاوم سحرك جبروت صديقنا أربو.
ولحظ القائد أربو الساحر بعين متعالية، وأراد أن يولي عنه وجهه باحتقار، ولكنه أحس بقوة تجذبه من عينيه إلى الرجل، ولفحه الغضب وشد بقوة على رقبته، وحاول أن ينتزع عينيه من القوة الهائلة التي تجذبهما فآب بالخيبة والعجز، وثبتت عيناه على عيني ديدي الجاحظتين البراقتين اللتين كانتا تلتمعان وتلتهبان كبلورتين تعكسان أشعة الشمس. فكسف نورهما عيني أربو فأظلمتا وغاب عنهما نور الدنيا، وخارت قوى الرجل الجبار فألقى السلم والإذعان.
ولما اطمأن ديدي إلى فعل قوته الخارقة، قام واقفا وأشار إلى مقعده وصاح بالقائد بلهجة آمرة شديدة: «اجلس» ... وصدع القائد بالأمر في خنوع فسار يترنح كالثمل، وارتمى على الكرسي في استسلام المشفي على الهلاك. فصدرت من أفواه الناظرين آهة دهشة، وابتسم الأمير هورداديف ابتسامة ارتياح وتشف، أما ديدي فقد نظر إلى فرعون باحترام وقال بأدب جم: مولاي أستطيع أن آمره بما أشاء ولن يخالف لي أمرا، ولكنني أشفق من أن أمثل بقائد من قواد الوطن العظام وحواري من حواري فرعون، فهل يقنع مولاي بما رأى؟
وهز فرعون رأسه دلالة الموافقة.
فبادر الساحر إلى القائد المذهول وجرى على جبهته بأصابعه الخفيفة، وقرأ بصوت خافت تعويذة غريبة، فأخذ الرجل يفيق رويدا رويدا، ومضت الحياة تدب في حواسه حتى استعاد وعيه، ولبث زمنا كالحائر ينظر فيما حوله، وكأنه لا يدرك مما يرى شيئا، ثم استقرت عيناه على وجه ديدي فتذكر والتهب جبينه وخداه بالاحمرار، وتحاشى النظر إلى الرجل الرهيب، وقام إلى مقعده يرسم على أرض الشرفة خطى الارتباك والقهر المتعثرة.
وابتسم الملك إليه وقال برقة: ما صاحبك بكاذب!
Неизвестная страница