فقال سنفر مقهقها: اشرب ... إن الخمر داء الجنود.
وعلى حين فجأة قال له بلهجة جدية: أيها الأخ ددف، إنك مقبل على حياة صارمة.
فابتسم ددف بشيء من الاستهانة وقال: لقد ألفت نفسي حياة الجندية.
فقال سنفر: جميعنا يألف حياة الجندية، ولكن صاحب السمو شيء آخر.
فبدت الدهشة على وجه ددف وسأله: ماذا تعني؟ - إني أنصحك أيها الأخ بدافع الأخوة لتكون على بينة من الأمر ولتأخذ حذرك، فإن خدمة الأميرة شدة لا مثيل لها. - كيف؟ - إن سموه شديد القسوة، له قلب كالحجر أو أشد صلابة، الهفوة عنده خطأ مبين، والخطأ جريمة لا تغتفر، وستجد فيه مصر حاكما صارما لا يداوي الجرح بالبلسم، كما يفعل جلالة والده أحيانا، ولكنه لا يتوانى عن بتر العضو لأهون خلل يعتوره! - إن الملك الحازم يحتاج إلى شيء من القسوة. - شيء من القسوة ... لا القسوة كلها، سترى كل شيء في حينه، فلا يكاد يفوت يوم لا يصدر فيه عقوبات عدة يصيب بعضها الخدم وبعضها الجند، وبعضها الوكلاء، وربما انصبت على الضباط، وإن الأيام لتزيده صلفا وخشونة!
فقال ددف: العادة أن تلين عريكة الرجل بتقدم العمر، هكذا يقول قاقمنا.
فضحك سنفر ضحكا عاليا وقال: لا يجمل بالجندي أن يستشهد في كلامه بقول حكيم. هكذا يقول صاحب السمو! وإن حياة سموه لتشذ عن رأي قاقمنا، لماذا؟ إنه في الأربعين ... ولي عهد في الأربعين من عمره! تأمل!
فنظر إليه الشاب بعينين متسائلتين، فاستطرد سنفر بصوت خافت: يود أولياء العهد لو يحكمون شبانا، فإذا قست عليهم الأقدار انقلبوا قساة! - أليس سموه متزوجا؟ - وله بنون وبنات. - فالعرش مضمون لنسله. - هذا لا يغني عن الأسف شيئا ... وليس هذا ما يخشاه الأمير. - فما الذي يخشاه؟! إن إخوته مخلصون لقوانين المملكة. - ما في هذا شك، ولعلهم لا يطمعون في شيء؛ لأن أمهاتهم من الحريم، وجلالة الملكة لم تلد سوى ولي العهد وشقيقته مري سي عنخ؛ فالعرش من حق هذين الاثنين قبل أي إنسان، ولكن الذي يقلق له الأمير هو ... قوة بنية جلالته! - إن فرعون معبود مصر جميعا.
فنظر الضابط إليه وقال: بلا جدال ... إني يخيل إلي أني أستشف أماني النفوس التي تعيش في الأعماق دون أن يسمح لها الضمير الحي بأن تطفو، معاذ الرب أن يوجد خائن في مصر ... كلا أيها الأخ، والآن قل ما رأيك في خمر مريوط؟ ... إني طيبي ولكني غير متعصب.
فقال ددف: هي خير ما قدمت يا سنفر.
Неизвестная страница