فقال الأمير: العفو يا مولاي، ولكن الحق أن التأمل وظيفة الحكماء، أما الذين عهدت الآلهة إليهم بتبعات الحكم، فما أحرى أن يتفرغوا لشئونه الصعاب.
فسأله فرعون بسخرية: أفترى أيها الأمير أني أتردى في هاوية العجز؟
فارتاع الأصدقاء، وكان الأمير أعظمهم ارتياعا فقال: معاذ الرب يا أبتي!
فقال الملك الساخر، ولكن بلهجة قوية: لا تقلق يا رعخعوف، واعلم أن أباك لن يزال قابضا على السلطان بيد من حديد.
فقال الأمير: يحق لي يا مولاي أن أهنئ نفسي ولو أني لم أسمع جديدا. - أم أنك ترى أن الملك لا يكون ملكا إلا إذا أعلن حربا؟
وكان الأمير رعخعوف يشير على أبيه دائما بأن يجرد جيشا لتأديب قبائل سيناء، ففطن إلى تلميح الملك فصمت وهلة يفكر، وفي أثناء ذلك قال خوميني: إن السلم أشد حاجة من الحرب إلى الملك القوي الصالح.
فقال الأمير بلهجة قوية حاكت ما ارتسم على وجهه من الصلابة والقسوة: ولكن ينبغي ألا تعوق سياسة السلم الملك عن خوض غمار الحرب إذا جد الجد!
فقال الملك: أراك تحوم حول موضوع قديم. - نعم يا مولاي، ولن أكف عنه حتى تذهب بواعثه؛ فإن قبائل سينا تفسد في الأرض وتهدد هيبة الحكومة. - قبائل سينا ! ... قبائل سينا! ... إن قوات الشرطة تكفي الآن لتأديب شراذمهم، أما تجريد جيش لغزو حصونهم فنية في صدري لم تهيأ الظروف بعد لتحقيقها؛ نظرا لأن الوطن ينوء بالجهد الجهيد الذي بذله عن طيب خاطر من أجل تشييد هرم ميرابو الخالد ... وسيأتي يوم قريب أقضي فيه على شرهم وأكفي الوطن عدوانهم.
وساد صمت مقدار دقائق، ثم ردد الملك بصره الحاد بين الحاضرين وقال: أيها السادة، إني دعوتكم هذه الليلة لأكاشفكم برغبة عظيمة تخفق في صدري.
فنظر إليه الملأ باهتمام، فقال: ساءلت نفسي صباح يوم: ماذا صنعت من أجل مصر، وماذا صنعت مصر من أجلي؟ ولا أكتمكم الحق أيها الأصدقاء؛ فقد وجدت أن ما صنعه الشعب لي أضعاف ما صنعته له، فأحسست بشيء من الألم - وكثيرا ما أتألم هذه الأيام - وذكرت المولى المعبود مينا الذي وهب الوطن وحدته المقدسة، فلم يهبه الوطن بعض ما وهبني، فاستصغرت نفسي وأقسمت لأجزين شعبي إحسانا بإحسان وجميلا بجميل.
Неизвестная страница