(قال الفقيه) رحمه الله: تكلم الناس في الإيمان: قال بعضهم: الإيمان قول وعمل، وهو قول أحمد بن حنبل وإسحق بن راهويه ومن تبعهما. وقال بعضهم: الإيمان هو المعرفة بالقلب، وهو قول جهم بن صفوان ومن تابعه. وقال بعضهم: الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالقلب والعمل من شرائعه، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وبه نأخذ. فأما من قال إن الإيمان قول وعمل فلأن الله تعالى سمى الصلاة إيمانا لقوله تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} يعني صلاتكم إلى بيت المقدس، وأما من قال إن الإيمان قول فلأن الله تعالى قال: {فأثابهم الله بما قالوا} ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)) وأما من قال: إن الإيمان معرفة بالقلب فلأنه لو اعتقد الكفر ولم يتكلم به فإنه يصير كافرا فكذلك إذا اعتقد الإيمان ولم يتكلم به فإنه يصير مؤمنا. وأما من قال: إن الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالقلب فلأن جبريل عليه السلام دخل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن الإيمان فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والبعث بعد الموت والقدر خيره وشره من الله تعالى، فقال جبريل: صدقت، فكان السائل جبريل والمجيب محمد صلوات الله عليهما بمحضر من الصحابة رضوان الله عليهم فأراد تعليمهم وإظهار الدين والشريعة، ولأن الله تعالى قال: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} فثبت أنه يصير مؤمنا بالقول ثم القول لا يصح إلا بالتصديق لأن الله تعالى ذكر في قصة المنافقين فقال: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر} ثم قال: {وما هم بمؤمنين} فنفى عنهم الإيمان لأنه لم يكن منهم مع القول التصديق فإذا وجد القول مع التصديق صار مؤمنا. وقال محمد بن الفضل: سمعت يحيى بن عيسى قال: سمعت مسلم بن سالم يقول: ما يسرني أن ألقى الله تعالى بعمل من مضى وبعمل من بقي وأنا أقول الإيمان يزيد وينقص أو قول أو عمل، والله أعلم.
الباب الثالث والعشرون بعد المائة: في أن الإيمان مخلوق أم لا
اختلف الناس في الإيمان. قال بعضهم: هو مخلوق، وقال بعضهم: هو غير مخلوق فأما من قال بأنه مخلوق فقد احتج بأن الإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالقلب، والإقرار والتصديق من أفعال العباد لأن الإقرار فعل اللسان والتصديق فعل القلب، والعبد مع جميع أفعاله مخلوق لأن الله تعالى قال: {والله خلقكم وما تعملون} وأما من قال بأنه غير مخلوق فقد احتج بأن الإيمان شهادة أن لا إله إلا الله وقول أشهد أن لا إله إلا الله كلام الله وكلام الله غير مخلوق فمن زعم أنه مخلوق فقد زعم أن القرآن مخلوق. قال الفقيه رحمه الله: فالحاصل أنه لا اختلاف في هذه المسألة لأن من قال إنه مخلوق أراد فعل العبد ولفظ لسانه ولا نأخذ به. ومن قال إنه غير مخلوق أراد به كلمة الشهادة وبه نأخذ، والله أعلم.
الباب الرابع والعشرون بعد المائة: في الكلام في القرآن
Страница 399