258

Бурхан ви Вуджух Баян

البرهان في وجوه البيان

Жанры

ثم متى ظهر أن أحدهم قد قارف شيئا من ذلك، أو فعله أحسن تأديبه ليرتدع به غيره، ثم ليكن أول تدبره في حروبه حروبه كتمان سره وتحصينه من سائر أهل عسكره، حتى لا يقف له عدوه على خبر، [وعليه] بإذكاء العيون والجواسيس على عدوه، حتى لا يخفى عليه أثر، ثم ليجعل الحذر رأس مكيدته، ولا يغتر بضعف من عدوه، فإن صرعات الاغترار لا تستقال، وليستعد له بأكثر من قدره، فإنه إن لقيه صغيرا # وقد أعد له كثيرا لم يضره ذلك، وإن وقع الأمر بضد ذلك فلا خفاء بما يلحقه منه. ولينتهز الفرصة إذا أمكنته، فإنها تمر مر السحاب، كما قال أمير المؤمنين - عليه السلام -: "قل من ضيع فرصة قد أمكنته وأخرها حتى تفوته، فظفر بمثلها"، واعلم أن التأني عند إمكان الفرصة يعود من الضرر بمثل ما تعود به العجلة قبل إمكانها، وليأخذ بالأناة ما استقامت، ولا يعجل بمناجزة العدو ما وجد إلى الحيلة سبيلا، فإن أهنأ الظفر ما كان بالمخاتلة دون المخاطرة، وأحزم الناس من لم يلتمس من عدوه القتال، وهو يجد إلى غيره سبيلا، وقد قيل: إذا كان وزير السلطان من يأمره بالمحاربة فيما يقدر فيه على حاجته بالمسالمة، فهو أشد عداوة له من عدوه. ولا ينبغي أن يضجر بمطاولة عدوه، والإبطاء عن لقائه، حتى تمكنه الفرصة، وتبدو له العورة، وليكن الظفر بالطاعة أحب إليه من الظفر بالغلبة، فإن في ذلك وفور أصاحبه وسلامة دينه، وإذا ظهر على عدون، وضع أوزار الغضب عنهم، مع أوزار الحرب، وتبدل بالقسوة رحمة، فإنهم يصيرون حينئذ رعية بعد أن كانوا مقاومين. ولا يقاتل عدوه إلا بعد (الإعذار) إليه، وإقامة الحجة عليه، وتبصيره الخطأ فيما ركبه، فإن قبل وأناب سر برجوعه، وتقبل ذلك منه، وإن أبى وأصر وأقام على الشقاق حاربه؛ فإن كان العدو من المشركين فالسنة في قتاله بعد الدعاء والإعذار ألا يقبل منهم غير الإسلام، فإن اسلم وإلا قوتل حتى يقتل أو يظفر به، فإذا ظفر به كان الإمام بالخيار # في أمره إن أحب قتل ، وإن أحب فادى، وإن أحب من، وكل ذلك قد فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت نساؤهم وذراريهم رقيقا للمسلمين. وإن كان العدو من أهل الكتاب لم يقبل منه غير الإسلام، فإن أبى طلبت منه الجزية عن يد وهو صاغر؛ فإن أباها قوتل حتى يقتل أو يظفر به، ومن أسر منهم وسبى من حرمهم وذراريهم فسبيلهم سبيل من قبلهم.

وإن كان من المتلصصة، وقطاع الطريق ومن جرى مجراهم من المحاربين على غير تأويل، فالسنة في قتالهم بعد الوعظ والزجر أن يقاتلوا حتى يقتلوا أو يظفر بهم، فإن تابوا من قبل أن يقدر عليهم عفا عنهم، وإن لم يفعلوا حتى ظفر بيهم لم تقبل توبتهم، وكان الإمام مخيرا في قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو قلتهم، أو صلبهم، أو نفيهم من الأرض، وهو على قول كثير من المفسرين تخليدهم في الحبوس. وليس للمسلمين أن يسترقوا ذراريهم، ولا أن ينكحوا نساءهم، لأن الشهادة وظاهر الملة تجمعنا وإياهم.

وإن كان من البغاة والمتأولين على الأئمة وعظوا، فإن فاءوا قبل منهم، وإن لم يقبلوا الوعظ استأنى بهم حتى يبدأوا بالقتال، ويجاهروا بالخلاف وحمل السلاح، فإذا فعلوا ذلك وبدروا بالقتال قوتلوا حتى يكفوا عن بغيهم، ومن أسر منهم أطلق، ولم يتبع منهم مدبر، ولم يجهز على جريح.

Страница 335