Строители Ислама: Мухаммед и его преемники
بناة الإسلام: محمد وخلفاؤه
Жанры
بل لقد كانت بدر بمثابة العلم الخفاق الذي يرفرف على ممتلكات الإسلام في قابل السنين والأعوام، كانت بداية فتح خير دين سمت مبادؤه، وتلألأت أضواؤه حتى بلغت جبال الألب والبيرنيه غربا، والصين واليابان شرقا، وصار معتنقوه خمسمائة مليون من النفوس بعد أن كانوا نفرا قليلا، محمدا وصحبه الأكرمين الأولين.
كم من معارك زعموا وقالوا إنها غيرت وجه التاريخ، فلا تكاد تمضي بضع سنين حتى يغير التاريخ وجهها، فلا تعود سوى ذكرى من الذكريات، وأقصوصة من الأقاصيص.
أما معركة بدر فقد غيرت التاريخ كله، غيرت تاريخ الكون، وغيرت تاريخ الأديان، وغيرت تاريخ الدول والأمم، وغيرت حتى تاريخ التاريخ! فقد أدركت قريش بعد معركة بدر أن محمدا لم يعد ذلك الهارب من شرهم، ولكنه المتحدي لهم، المنتصر عليهم، القوي بالله وإن قل عدد جيشه، وكثر عددهم هم.
أجل، ها هو ذا محمد، ولما تمض على خروجه من مكة خمس سنين وهو يتستر بالظلام اتقاء لشر قريش، وبطش قريش، وسطوة قريش؛ ها هو ذا يجند جنده، ويعود إلى أولئك الذين كانوا بالأمس يلحقون به الأذى بل يريدون قتله قتلا، يعود إليهم متحديا إياهم، طالبا منهم أن يدخل مكة عنوة ليطوف بيت الله الحرام.
عمرة الحديبية
عسكر محمد بجنده في «الحديبية» تأهبا لدخول مكة، لكن قريشا أقسمت أن لا يدخل حتى تكون أجسامهم جميعا طعاما للوحوش وزادا للطيور، وإلا أن تكسر سيوفهم في نحورهم، وتغمد النصال في بطونهم وخيولهم، ولا يبقى في مكة منهم ديار، ولا نافخ نار.
أخذ زعماء قريش يتشاورون فيما بينهم، مقلبين وجوه الرأي في الوسائل التي تمنع محمدا من الدخول إلى مكة، وأخيرا هداهم التفكير إلى أن يرسلوا إليه الرسل للمفاوضة، وكان منهم نعيم بن مسعود.
دخل نعيم خيمة الرسول (عرين الأسد)، فهاله أن يسير بين سيوف مدججة، وجنود متعطشة إلى الحرب والنزال في حومة الوغى، ووجدوا محمدا يحوطه صحبه كما تحوط الهالة القمر، فقال ابن مسعود: يا محمد، ما هو الذي جمعت إليه جمعك، وحشدت إليه جندك؟ أراك قد جمعت أوشاب الناس ثم عدوت بهم على قومك من قريش، تحاول أن تذلهم وتنتهك حرمتهم ... إنها والله لقريش، قد علم الناس صدقها عند اللقاء، وكفاحها في البأساء ... هم مساعر حرب، وأحلاس خيول، ولقد ترامى إليهم أنك جئت غازيا ديارهم قاصدا الكيد بهم ... وإنهم عاهدوا الآلهة أن لا تدخل عليهم أبدا، واسم الله، كأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غدا وبقيت وحدك، فلا تحوطت لنفسك، ولا احتفظت بقومك، فتدبر أي شر أنت قادم عليه، وأي أمر أنت مقصد له.
فقال له الرسول: يا ابن مسعود، لقد تحدثت إلى غيرك من الموفدين. إني ما جئت أبغي حربا أو أريد قتالا، وإنما جئنا معتمرين، وللبيت الحرام طائفين ومعظمين، فإن شاءوا خلوا لنا الطريق، وإلا فإن لنا معهم شأنا نترقب فيه أمر الله.
عاد ابن مسعود إلى قريش مبهوتا مبهورا وهو يقول: لقد وفدت على قيصر في ملكه، وعلى كسرى في إيوانه وعزه، وعلى النجاشي في عرشه، فوالله ما رأيت رجلا يعظمه قومه كما يعظم محمدا قومه، وقد ألقوا إليه بمقاليدهم، وأمكنوه من قيادهم، وإنهم لا يرجعون له قولا، ولا يردون له رأيا، فاقتدحوا زناد عقولكم، والأمر نهايته بين أيديكم.
Неизвестная страница