الآخر، وقبورهم على أبواب دورهم، فأقام الإسكندر على حافة ذلك البحر حتى إذا كان يوم السبت سكن ذلك الرمل، فسلكه وسار يومه كله إلى اصفرار الشمس، حتى جاز النهر في أصحابه، فاستقبلوه وسلموا عليه، فلما دنا منهم نزل فاجتمع إليه من أفاضلهم وعلمائهم زهاء مائة رجل، فدعوا له بالصلاح فرحب بهم الإسكندر، ودخل معهم المدينة. فجلس على الأرض، وجلس أولئك الأحبار حوله، ثم قال: ما بال قبوركم على أبواب منازلكم؟ قالوا: ليكون ذكر الموت نصب أعيننا. قال: فهل فيكم مسكين؟ قالوا: ما فينا أحد أغنى من الآخر. قال:
فمن شر عباد الله؟ قالوا: من أصلح دنياه وأخرب آخرته. قال: فمن أقسى الناس قلبا؟ قالوا: من أغفل أمر الموت ونسي الحساب والعقاب. قال: فالبر أقدم أم البحر؟ قالوا: لا بل البر لأن البحر إنما يحول إلى البر. قال: فالليل أقدم أم النهار؟ قالوا: بل الليل أقدم لأن الخلق إنما خلقوا في الظلمة في بطون الأمهات، ثم خرجوا بعد ذلك إلى النور. قال الإسكندر: طوبى لكم، لقد رزقتم زهادة وعلما. قالوا: بل طوبى لمن وقاه الله فتنة الدنيا، وأخرجه منها سالما. قال: فإني أحب أن تعظوني. قالوا: وما يغني وعظنا إياك مع انهماكك على الدنيا وحرصك عليها بلا فكرة منك في زوالها. قال: فسلوني حوائجكم. قالوا: نسألك الخلد.
قال: هل يقدر على ذلك أحد إلا الله؟ قالوا: فإن كنت موقنا بالموت فما تصنع بقتل أهل الأرض؟ قال: نعم إني موقن بذلك غير أني لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا، ثم قال: يا معشر البرجمانيين إن الله قد خصكم بالعلم، وحلاكم بالزهادة، وزينكم بالحكمة، وصرف قلوبكم عن الشهوات، فسلوني حكمكم من زهرة الدنيا. قالوا: لا حاجة لنا في شيء من ذلك. قال: فأحب أن تقبلوا مني شيئا فإن معي يواقيت وجواهر حسانا. قالوا: أحضره لننظر إليه، فأمر بإخراج أسفاط فيها جواهر مثمنة، ففتحت فلما نظروا إليها قالوا له: أيها الملك ويعجبك مثل هذا؟
قال: ليس شيء من عرض الدنيا أحب إلينا منه. قالوا: فانطلق بنا حتى نريك ما هو أحسن منه وأكثر، وليس عليك فيها مؤونة، فانطلقوا إلى نهر عظيم فيه صنوف الجواهر واليواقيت، وفيه من الجواهر ما لم ير مثله، فقالوا: هذا أكثر أو ما معك؟
Страница 137