الارتفاق «١» بالمصباح ما أمكن الصبر. ثم أنهم تناهدوا «٢» وتخارجوا «٣»، وأبى واحد منهم أن يعينهم، وأن يدخل في الغرم «٤» معهم. فكانوا إذا جاء المصباح شدّوا عينه بمنديل؛ ولا يزال ولا يزالون كذلك، إلى أن يناموا ويطفئوا المصباح، فإذا أطفأوه أطلقوا عينيه.
ورأيت أنا حمّارة منهم، زهاء خمسين رجلا، يتغدون على مباقل «٥» بحضرة قرية الأعراب، في طريق الكوفة، وهم حجّاج. فلم أر من جميع الخمسين رجلين يأكلان معا، وهم في ذلك متقاربون، يحدّث بعضهم بعضا. وهذا الذي رأيته منهم من غريب ما يتفق للناس.
حدّثني مويس بن عمران «٦» قال: «قال رجل منهم لصاحبه، وكانا إمّا متزاملين «٧»، وإما مترافقين، «لم لا نتطاعم «٨»؟ فان يد الله مع الجماعة، وفي الإجتماع البركة»؛ وما زالوا يقولون: «طعام الإثنين لا يكفي الثلاثة، وطعام الثلاثة لا يكفي الأربعة» . فقال له صاحبه:
«لولا أعلم أنك آكل مني لأدخلت لك هذا الكلام في باب النصيحة» .
فلما كان الغد، وأعاد عليه القول، قال له: «يا عبد الله معك رغيف، ومعي رغيف؛ ولولا أنك تريد الشرّ، ما كان حرصك على مؤاكلتي.
تريد الحديث والمؤانسة؟ اجعل الطبق واحدا، ويكون رغيف كل منّا قدّام صاحبه. وما أشك أنك إذا أكلت رغيفك، ونصف رغيفي،
1 / 39