نريد هذا الجانب الثاني ، ولو قيل إنه مسير لا مخير ، فلابد أن يراد منه الجانب الأول. ثم إن في الذكر الحكيم آيات ودلالات وتصريحات على كون الإنسان مخيرا ، وهي على حد لا يمكن جمعها في مقام واحد.
يقول الله لكل بشر على ظهر الأرض : ( فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون* من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون ) (1)، فهل ربط الجزاء بالعمل هنا من قبيل المزاح أو الخديعة؟
وعندما يصف ربنا جزاء الكذبة والمكذبين ويبين عقبى عملهم ويقول : ( فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون* ذلك جزاء أعداءالله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا ب آياتنا يجحدون ) (2) هل هذا الربط المتكرر بين العمل والجزاء؟ وهل هذه النقمة المحسوسة على المجرمين تومئ من قرب أو بعد إلى أن القوم كانوا أهل خير فلوى زمامهم قدر سابق أو كتاب ماحق؟ ما أقبح هذا الفهم! في يوم الحساب يحصد الناس ما زرعوا لأنفسهم. والقرآن حريص كل الحرص على إعلان هذه الحقيقة وهي أنك واجد ما قدمت لن تؤخذ أبدا بشيء لم تصنعه ، لم تغلب على إرادتك يوما فيحسب عليك ما لم تشأ. إن المغلوب على عقله أو قصده لا يؤاخذ أبدا بل إن التكليف يسقط عنه.
وتدبر قوله تعالى : ( ألقيا في جهنم كل كفار عنيد* مناع للخير معتد مريب* الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد* قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد ) (3) ربنا سبحانه وتعالى ينفي الظلم عن نفسه ويقول إنه ما عذب إلا من فرط وأساء. (4)
Страница 237