Бедные в эпохи ислама
البؤساء في عصور الإسلام
Жанры
وفي صباح اليوم التالي استفاق أبو عبد الله لنفسه، فوجد حالته تنذر بالموت، وشعر بالألم الشديد الذي لا خلاص له منه .
ومرت قافلة فأبصر رجالها ما هو فيه؛ فأشفقوا عليه وحملوه معهم، وأخذوا في إسعافه بالعلاج اللازم له مدة أيام، فلم يندمل له جرح، فتركوه في طريق بين مكة والمدينة يتصدق عليه الناس. وأقام في مكانه مدة عامين كاملين.
ووجد له في بعض مؤلفاته قطعا يناجي بها مصر:
مصر أنت الوطن العزيز، ولقد أراك بعين البصيرة وقد سرى في أبنائك المخلصين حب العمل واعتناق الفضيلة، وأنت تدرين عليهم من برك، ورفد نيلك الرزق الجزيل.
وقد وقف الشجعان البواسل أمام من يبتغي لك الشر، ويباغت سكانك بالفظائع والموبقات. «مصر» لقد وصلت في غابر العصور إلى ذروة المجد العالية، حتى تاهت بعظمتك الأجيال، وافتخرت بسعادتك الأيام، وكنت أنت آنث مقدمة الأمم، وسابقة الممالك والشعوب إلى المدينة الصحيحة، والرفاهية الفائقة، وها هي الآثار تنطق لك بتلك العظمة وذاك الفخار.
وها هو الأزهر الشريف ومعاهد العلم يستخرجون علماء قد نبغوا على الفلاسفة، وتفوقوا بمعارفهم على علماء الأرض قاطبة، وقد دونوا بلغتهم الشريفة مؤلفات عظيمة حوت من الفصاحة أبينها، ومن البلاغة أعلاها، ومن الألفاظ أسلسها وأرقها؛ فارتوت منها نفوس علماء الشرق والغرب، ولكني مع الأسف محروم منها غافل، بل غير قادر على ورود هذا المنهل العذب؛ لأني في حالة من الإعياء والتعب، صرت من جرائها لا حي فأرجى، ولا ميت فأنعى.
وله من حكمة أخرى يخاطب العوالم والكائنات:
أيها الكون الحافل المحجوب عنا بظواهر الكائنات، والمتجلي بخوارق العادات؛ مر الشمس أن تطلع فتتهادى على جبال مكة وبطاحها، حيث تتلألأ أنوارها على الأرض، وحينئذ يتبدد هذا الضباب، تاركا على هذه الأرض المقدسة آثار الندى؛ فتتندى الأشجار وتفوح منها روائح الطيب.
أنت تعلم يا رب أنني قد صرت عاجزا واعتراني المرض، فخذ روحي على عجل، ولا تحرمني من النظر إلى وجهك الكريم؛ لأرحل عن هذا العالم المملوء بالمتاعب، ولا تجعلني أهيم بالأمل الغرار، وأطلب الراحة من حيث لا توجد. •••
ومات على أسوأ حال من التعاسة والبؤس والفقر، وقد عانى أهوال الشقاء وغضاضة الدهر، وكانت وفاته سنة «953 ميلادية».
Неизвестная страница