Балагаты Ибн Шихаба аз-Зухри и их включения в шесть книг
بلاغات ابن شهاب الزهري وإدراجاته في الكتب الستة
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م
Жанры
جامعة الإسكندرية
كلية الآداب
قسم اللغة العربية وآدابها
شعبة الدراسات الإسلامية
بلاغات ابن شهاب الزُّهْرِيّ وإدراجاته في الكتب الستة
"جمع وتخريج ودراسة"
بحث مقدم لاستكمال متطلبات الحصول على درجة دكتوراه الفلسفة في الآداب تخصص دراسات إسلامية
information of Ibn Shihab el-Zohri and his inputs in the six books
Collecting - documentating - study
إعداد الباحث/ عبد الحميد عبد الرازق شيخون محمد
تحت إشراف
أ. د/ ناهد أحمد الشعراوي
د/ ماجدة أحمد سليمان
١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م
1 / 1
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 2
المقدمة:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فقد قال النبي ﷺ: "مَن يُرد اللَّه به خيرًا يُفَقِّهه في الدِّين" (١)؛ فجعل النبي ﷺ الخيرية في التفقه في الدين ليتسابق إليه الخيرون، وجعلهم ورثة الأنبياء، وجعلهم من أوفر الناس حظًا؛ لقوله ﷺ: "إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر" (٢).
ومن بركات هذا العلم: أنه يلحق العامل به من عمله وحسناته بعد موته؛ لقول النبي ﷺ: "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علمًا علمه ونشره ..... الحديث" (٣).
أسأل الله العظيم أن يجعلني وإياكم من هؤلاء المهتمين بتعلم العلم ونشره ابتغاء مرضاة الله ﷿.
ولما كان الأمر كذلك صار حريًا أن ننهض للعلم وطلبه والسعي إليه، ونبذل الغالي والنفيس من أجله.
ومما لا شك فيه أن علم الحديث النبوي الشريف من أعظم العلوم الشرعية قدرًا وشرفًا؛ لما له من مكانة في التشريع الإسلامي، ولتعلقه المباشر بالدفاع عن النبي ﷺ
_________
(١) البخاري، الجامع المسند الصحيح (المعروف بصحيح البخاري)] طـ دار طوق النجاة، ط ١، ١٤٢٢ هـ[: كتاب العلم، باب من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، رقم (٧١)، ١/ ٢٥.
(٢) التِّرْمِذِيّ، سنن التِّرْمِذِيّ، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون] دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ط، د. ت [: كتاب العلم، باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة، رقم (٢٦٨٢)، ٥/ ٤٨، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح] المكتب الإسلامي، بيروت، ط ٣، ١٩٨٥ م [: رقم (٢١٢)، ١/ ٧٤.
(٣) ابن ماجة، سنن ابن ماجة، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي] دار الفكر، بيروت، د. ط، د. ت [: في افتتاح الكتاب، باب ثواب معلم الناس الخير، رقم (٢٤٢)، ١/ ٨٨، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: رقم (٢٥٤)، ١/ ٨٤.
1 / 1
وسنته المباركة؛ كل هذا وغيره جعلني أوثر هذا العلم الشريف، وأختاره تخصصًا في دراستي، وقد وقع اختياري على موضوع " بلاغات ابن شهاب الزُّهْرِيّ وإدراجاته في الكتب الستة"؛ وذلك بجمع بلاغات الزُّهْرِيّ وإدراجاته من الكتب الستة ودراستها، وتمييز قوله من قول رسول الله ﷺ، وبيان أسباب الإرسال ودوافع الإدراج عنده.
أولًا: أهمية الموضوع، وبواعث اختياره:
العلم بالحديث من أجل العلوم وأشرفها؛ حيث لا يمكن معرفة وفهم وتدبر القرآن إلا بمعرفة الحديث الشريف المبيّن، والمخصص، والمفسّر له، وعليه صار لا بُدّ من تمييز صحيح الحديث من سقيمه؛ لذا وقع اختياري على موضوع "بلاغات ابن شهاب الزُّهْرِيّ وإدراجاته في الكتب الستة"، وذلك للمساهمة في خدمة السنة النبوية المشرفة، من خلال بيان مواضع بلاغات وإدراجات الزُّهْرِيّ في أحاديث الكتب الستة، مما قد يكون ضعيفًا، ويرويه العامة والخاصة على اعتبار أنه صحيح.
ومما دعاني لاختيار هذا الموضوع ما يلي:
١ - رغبتي في التوسع وزيادة التمكن من علم الحديث.
٢ - رغبتي في اختيار موضوع يفيدني، وطلاب العلم.
٣ - تقديم دراسة تستوفي جوانب حياة الإمام الزُّهْرِيّ.
٤ - وصل ما اتصل من بلاغات الإمام الزُّهْرِيّ.
٥ - تمييز كلام النبي ﷺ من كلام الزُّهْرِيّ في الكتب الستة، وبيان أسباب الإرسال ودوافع الإدراج عنده.
ثانيًا: أهداف البحث:
١ - التعريف بالإمام ابن شهاب الزُّهْرِيّ وبمكانته العلمية.
٢ - معرفة الأحاديث التي بها بلاغ أو إدراج من الزُّهْرِيّ في الكتب الستة وتمييز كلام الزُّهْرِيّ من كلام النبي ﷺ.
٣ - دراسة هذه الأحاديث؛ لبيان الصحيح منها من الضعيف.
٤ - بيان أسباب الإرسال ودوافع الإدراج عند الزُّهْرِيّ.
1 / 2
ثالثًا: صعوبات الدراسة:
من أهم الصعوبات التي واجهتني لإتمام هذه الدراسة هو منهجها الاستقرائي، حيث يوجّب عليّ هذا المنهج استقراء متون الكتب الستة، وكل ما يميط اللّثام عن مواضع الإدراج في هذه المتون: ككتب الشروح، وعلل الحديث، وغيرها، ولا شك في أن قراءة كل هذه الكتب للاهتداء لمواضع الإدراج فيها يحتاج إلى أضعاف الوقت المقرر لمثل هذه الدراسة.
وعليه فقد قمت بقراءة بعض الكتب قراءة كاملة، ككتاب: الفصل للوصل المدرج في النقل للخطيب البغدادي (ت: ٤٦٣ هـ)، وكتاب: المدرج إلى المدرج للسيوطي (ت: ٩١١ هـ)، ثم استعنت بالبحث الحاسوبي عن "لفظة" مدرج ومشتقاتها في استقراء الكتب الأخرى.
رابعا: الدراسات السابقة:
وقفتُ على بحث مصغر نشرته مجلة الجامعة الإسلامية في العدد الثاني (يونيو ٢٠١١ م) بعنوان: "بلاغات الإمام الزُّهْرِيّ وإدراجاته في صحيح البخاري" للباحثة سميحة حسن الأسود، وتناول هذا البحث المواضع التي فيها بلاغات وإدراجات الزُّهْرِيّ في صحيح البخاري دون النظر لأسانيد تلك البلاغات أو الحكم عليها أو تخريجها وبيان ما اتصل منها، أو تخريج الأحاديث التي اشتملت على الإدراج، ودون التوسع في دراسة بلاغات الزُّهْرِيّ وإدراجاته، كما أن الباحثة لم تستوعب في حصرها جميع بلاغات (١) الزُّهْرِيّ وإدراجاته (٢) التي وقعت في صحيح البخاري؛ لذا فإني سأتناول بلاغات الزُّهْرِيّ وإدراجاته في الكتب الستة بما في ذلك صحيح البخاري ودراستها دراسة موسعة للوصول إلى حكم علمي على هذه البلاغات والإدراجات.
_________
(١) عدد البلاغات التي جمعتها الباحثة في بحثها أربعة بلاغات، اتفقتُ معها في ثلاثة بلاغات، واستبعدتُ واحدًا لم ينطبق عليه مفهوم البلاغ، ثم زدت ثلاثة لم تذكرها الباحثة؛ ليصبح العدد في هذه الدراسة ستة بلاغات.
(٢) عدد الأحاديث المدرجة التي جمعتها الباحثة ستة وثلاثون حديثًا مدرجًا، اتفقت معها في اثنتين وثلاثين، واستبعدت أربعًا؛ لعدم دخول هؤلاء الأربع تحت مفهوم المدرج، ليصبح العدد في هذه الدراسة اثنتين وثلاثين حديثًا مدرجًا.
1 / 3
خامسًا: منهج البحث:
اعتمدت في هذا البحث على المنهج الاستقرائي، حيث قمت بما يلي:
١ - تتبعت الأحاديث التي فيها بلاغ أو إدراج للإمام الزُّهْرِيّ في الكتب الستة فجمعتها.
٢ - خرجت هذه الأحاديث تخريجًا يساعد في معرفة درجة الحديث والحكم عليه.
٣ - تتبعت الطرق التي تتصل بها بلاغات الإمام الزُّهْرِيّ، فوصلتها إلا القليل.
٤ - ميزت الكلام المدرج، بوضع خط تحته في موضعه من متن الحديث.
٥ - بينت ما يثبت به الإدراج: إما بنص بعض الرواة على الإدراج، أو بنقل أقوال العلماء في ذلك، أو بيان من أخرج الحديث دون إدراج.
٦ - قمت بدراسة الإسناد في الأحاديث التي لم ترد في الصحيحين، أو في أحدهما.
٧ - ترجمت لرجال الإسناد في الأحاديث التي تناولتُ دراسة أسانيدها: وذلك بذكر اسم الراوي، وكنيته، وسنة وفاته.
٨ - لم أترجم للصحابة، إلا المختلف فيهم، وغير المشهورين.
٩ - جمعت أقوال أئمة الجرح والتعديل في الرواة المختلف فيهم للاجتهاد في الوصول إلى خلاصة القول فيهم.
١٠ - الرواة المتفق عليهم جرحًا أو تعديلًا ترجمت لهم ترجمة مجملة، مع الإشارة إلى مواضع الترجمة، واكتفيت بقولي فلان ثقة، أو أجمعوا على توثيقه، أو ضعيف.
١١ - من لم أجد له ذكر في كتب التراجم، بينت ذلك بقولي: لم أجده.
١٢ - نقلت أحكام العلماء - المتقدمين والمتأخرين - على الأحاديث التي تناولتُ دراسة أسانيدها بحسب الحاجة، مع بيان حكمي الخاص بذلك ما استطعت.
١٣ - ما اتفق عليه البخاري ومسلم أقول فيه: صحيح؛ اتفق على إخراجه الشيخان.
١٤ - ترجمت للأعلام والأنساب والألقاب، وعرفت بالأماكن والبلدان.
١٥ - قمت بعمل فهارس للآيات والأحاديث والرواة والمصادر والمراجع والموضوعات.
١٦ - اخترت المراجع الحديثة المحققة قدر الإمكان، والمذيلة بأحكام المحققين؛ وذلك لتسهيل نقل أحكام المحققين دون الحاجة إلى تكرار العزو.
١٧ - التزمت بالمنهجية العلمية المتعلقة بكتابة البحوث العلمية في مثل هذا البحث
1 / 4
العلمي: كالتبويب، وعلامات الترقيم، والحواشي، والفهارس، ونحوها.
سادسًا: تقسيمات البحث:
وتشتمل على مقدمة وفصل تمهيدي وأربعة فصول وخاتمة.
تشتمل المقدمة على: أهمية الموضوع وبواعث اختياره وأهداف البحث، وصعوبات الدراسة، والدراسات السابقة، ومنهج البحث وطبيعة العمل، وتقسيمات البحث.
• فصل تمهيدي: في مقدمات عامة بين يدي البحث، وفيه مبحثان:
o المبحث الأول: البلاغات.
o المبحث الثاني: الحديث المدرج.
• الفصل الأول: سيرة الإمام ابن شهاب الزُّهْرِيّ، وفيه أربعة مباحث:
o المبحث الأول: ترجمة الإمام الزُّهْرِيّ.
o المبحث الثاني: عقيدته.
o المبحث الثالث: مكانته العلمية.
o المبحث الرابع: مراسيله ونسبة التدليس إليه.
• الفصل الثاني: بلاغات الزُّهْرِيّ في الكتب الستة، وفيه ستة مباحث:
o المبحث الأول: بلاغات الزُّهْرِيّ في صحيح البخاري.
o المبحث الثاني: بلاغات الزُّهْرِيّ في صحيح مسلم.
o المبحث الثالث: بلاغات الزُّهْرِيّ في سنن أبي داود.
o المبحث الرابع: بلاغات الزُّهْرِيّ في سنن التِّرْمِذِيّ.
o المبحث الخامس: بلاغات الزُّهْرِيّ في سنن النّسائي.
o المبحث السادس: بلاغات الزُّهْرِيّ في سنن ابن ماجة.
• الفصل الثالث: إدراجات الزُّهْرِيّ في الكتب الستة، وفيه ستة مباحث:
o المبحث الأول: إدراجات الزُّهْرِيّ في صحيح البخاري.
o المبحث الثاني: إدراجات الزُّهْرِيّ في صحيح مسلم.
o المبحث الثالث: إدراجات الزُّهْرِيّ في سنن أبي داود.
o المبحث الرابع: إدراجات الزُّهْرِيّ في سنن التِّرْمِذِيّ.
1 / 5
o المبحث الخامس: إدراجات الزُّهْرِيّ في سنن النسائي.
o المبحث السادس: إدراجات الزُّهْرِيّ في سنن ابن ماجة.
• الفصل الرابع: أسباب الإرسال ودوافع الإدراج عند الزُّهْرِيّ، وفيه مبحثان:
o المبحث الأول: أسباب الإرسال عند الزُّهْرِيّ.
o المبحث الثاني: دوافع الإدراج عند الزُّهْرِيّ.
• الخاتمة: وتشتمل على أهم النتائج.
• الفهارس: وتشتمل على:
o فهرس الآيات القرآنية
o فهرس البلاغات
o فهرس الأحاديث المدرجة
o فهرس الصحابة المُتَرْجَم لهم
o فهرس الأعلام المُتَرْجَم لهم
o فهرس الرواة المُتَرْجَم لهم
o فهرس المصادر والمراجع
o فهرس الموضوعات
1 / 6
• فصل تمهيدي: في مقدمات عامة بين يدي البحث:
o المبحث الأول: البلاغات
o المبحث الثاني: الحديث المدرج
1 / 7
المبحث الأول: البلاغات
أولا: تعريف البلاغات
• البلاغ في اللغة:
يقول ابن فارس: "الباء واللَّام والغين أصل واحد، وهو الوصول إلى الشَّيء. تقول بلغت المكان، إذَا وصلتَ إليه (١)، "والبُلُوغ والإبلاغ: الانتهاء إلى أقصى المَقْصد والمُنْتَهى، مكانًا كان، أَو زمانًا، أَو أمرًا من الأمور المُقَدَّرَة" (٢)، يُقَالُ: أبْلَغَهُ الخَبَرَ إبْلاغًا، وبَلَّغَهُ تَبْلِيغًا (٣)، "والبَلاغ: ما يُتَبَلَّغ بِه ويُتَوَصَّل إلى الشَّيء الْمَطْلُوب، والبَلاغ: ما بَلَغَك، .. والبَلاغ: الإِبْلاغ، والإِبلاغ: الإِيصال، وَكذلك التبْلِيغ" (٤).
مما تقدم يتبيّن أن البلاغ هو: إيصال الخبر ونحوه، وقول القائل: بلغني، أي: وصل إليّ.
• البلاغ في الاصطلاح:
لم أجد من المُحدِّثين من حد البلاغ باصطلاح معين، ولكن خص بعض أهل اللغة البلاغ في بعض معانيه بأنه: "ما بَلَغ من الْقُرْآن وَالسُّنَن" (٥)، أي: ما رواه الراوي بصيغة بلغني عن فلان، وقد اشتهر في هذا الباب بلاغات مالك التي رواها في الموطأ، وقد استخدم ابن عبد البر "البلاغات" بهذا المعنى في التمهيد، حيث عقد بابًا في بلاغات مالك ومرسلاته (٦)، وصلها إلا أربعة بلاغات، لم يجد لها إسنادًا، وقد وصلها ابن الصلاح
_________
(١) ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون] دار الفكر، د. ط.، ١٣٩٩ هـ[، مادة (بلغ).
(٢) مرتضى الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: مجموعة من المحققين] دار الهداية، د. ط.، د. ت. [، مادة (بلغ).
(٣) المصدر نفسه، مادة (بلغ).
(٤) ابن منظور، لسان العرب] دار صادر، بيروت، ط ١، د. ت. [، مادة (بلغ).
(٥) المصدر نفسه، مادة (بلغ).
(٦) ابن عبد البر، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد] وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية، المغرب، د. ط.، ١٣٨٧ هـ[، ٢٤/ ١٦١.
1 / 8
في رسالة سماها "وصل بلاغات الموطأ" وقد استخدم أيضًا "البلاغات" بالمعنى المشار إليه.
ومن المعنى اللغوي للبلاغ واستخداماته عند المُحدِّثين يمكن القول إن البلاغ في مصطلح الحديث يعني: ما يرويه الراوي من أحاديث وآثار بصيغة بلغني عن فلان أو نحوها كذُكر لي أو رُوينا عن فلان، دون ذكر الواسطة بينه وبين قائل هذا الأثر أو فاعله.
ثانيًّا: علاقة البلاغات بالمعضل والمرسل
تعد البلاغات في عرف المُحدِّثين من المُعْضَل، قال ابن الصلاح: "وذكر أبو نصر السِّجْزِيّ (١) الحافظ قول الراوي: "بلغني" نحو قول مالك: بلغني عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: للمملوك طعامه وكسوته .... الحديث (٢)، وقال: أصحاب الحديث يسمونه المعضل" (٣). "والمُعْضَل: ما سقط من إسناده اثنان فأكثر على التوالي" (٤)، "والمعضل من قسم الضَّعِيف" (٥).
والإمام الزُّهْرِيّ من صغار التابعين، وبلاغاته التي رواها عن رسول الله ﷺ فهي فيما أُرى من المرسل، وصورة المرسل عند المُحدِّثين: "أن يقول التابعيّ -سواء كانَ كبيرًا
_________
(١) الإمام العالم الحافظ المُجَوِّد شيخ السنّة، أبو نصر، عبيد الله بن سعيد بن حاتم بن أحمد الوَائِلِيّ، البَكْرِيّ، السِّجِسْتَانِيّ، شيخ الحرم، المتوفى في سنة ٤٤٤ هـ (انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء للذهبي] مؤسسة الرسالة، بيروت، ط ٣، ١٤٠٥ هـ[، ١٧/ ٦٥٤).
(٢) الحديث أخرجه الإمام مالك في الموطأ، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي] دار إحياء التراث العربي، بيروت، ١٤٠٦ هـ[، ١/ ٦٤، ونصه: أن النبي ﷺ قال: "لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ، وَلاَ يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَلِ إِلاَّ مَا يُطِيقُ".
(٣) ابن الصلاح، أنواع علوم الحديث (المعروف بمقدمة ابن الصلاح)] دار الفكر، بيروت، د. ط.، ١٤٠٦ هـ[، ص ٦٠.
(٤) السَّخاوي، التوضيح الأبهر لتذكرة ابن الملقن في علم الأثر] مكتبة أضواء السلف، ط ١، ١٤١٨ هـ[، ص ٤٤.
(٥) ابن جماعة، المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي، تحقيق: د. محيي الدين عبد الرحمن رمضان] دار الفكر، دمشق، ط ٢، ١٤٠٦ هـ[، ص ٤٧.
1 / 9
أم صغيرًا-: قال رسول ﷺ كذا، أو فعل كذا، أو فُعِل بحضرته كذا، ونحو ذلك" (١)، "فإِن المَرَاسِيل للتابعين دون غَيرهم" (٢)، وأما ما سقط من رُوَاته قبل التَّابِعِيّ واحد أَو أَكثر فيسمى معضلًا (٣).
وعليه فإن البلاغ قد يُعبر عنه بالمعضل إذا سقط من رُوَاته قبل التَّابِعِيّ واحد أَو أَكثر، وقد يُعبر عنه بالمرسل إذا صدر من التّابعيّ.
_________
(١) ابن حجر، نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، تحقيق: عبد الله بن ضيف الله الرحيلي] مطبعة سفير، الرياض، ط ١، ١٤٢٢ هـ[، ص ١٠١.
(٢) طاهر الجزائري، توجيه النظر إلى أصول الأثر، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة] مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب، ط ١، ١٤١٦ هـ[، ٢/ ٤٠٥.
(٣) انظر: قفو الأثر في صفوة علوم الأثر لرضي الدين ابن الحنبلي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة] مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب، ط ٢، ١٤٠٨ هـ[، ٢/ ٤٠٥.
1 / 10
المبحث الثاني: الحديث المدرج
أولًا: تعريف الحديث المدرج
• المدرج لغة
المُدرَج بضم الميم وسكون الدال وفتح الراء: اسم مفعول من أدرج.
والإِدْراج: لَفّ الشَّيْء في الشَّيْء. يُقَالُ: دَرَجْتُه وأَدْرَجْتُه ودَرَّجْتُه، وَالرُّبَاعِيُّ أَفصحها. ودَرَجَ الشيءَ فِي الشَّيْء يَدْرُجُه دَرْجًا، وأَدْرَجَه: طَوَاه وأَدخله (١)، ودَرَجَ الشيءَ فِي الشَّيْء: أدخلهُ فِي ثناياه (٢).
فالإِدْراج لغة: الإدخال، والمُدرَج، ما وقع فيه الإدراج.
• المدرج اصطلاحًا
لم أقف على تعريف جامع للمدرج يشمل قسميه -مدرج الإسناد ومدرج المتن- فيما رجعت إليه من مصادر المتقدمين في علوم الحديث، فمنهم من قصر التعريف على مدرج المتن، ومنهم من عرّف كل قسم على حدة.
فمن التعريفات التي اقتصرت على مدرج المتن ما يلي:
عرفه ابن دقيق العيد بقوله: "أَلْفَاظ تقع مع بعض الروَاة مُتَّصِلَة بِلَفْظ الرَّسُول ﷺ وَيكون ظَاهرهَا أَنَّهَا من لَفظه فَيدل دَلِيل على أَنه من لفظ الرَّاوِي" (٣).
وعرفه الذهبي بقوله: "ألفاظٌ تقع من بعض الرواة متصلةً بالمَتْن، لا يبِينُ للسامع إلا أنها من صُلْب الحديث" (٤).
_________
(١) ابن منظور، لسان العرب، مادة (درج).
(٢) انظر: المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة] دار الدعوة، د. ط.، د. ت. [، مادة (درج).
(٣) ابن دقيق العيد، الاقتراح في بيان الاصطلاح] دار الكتب العلمية، بيروت، د. ط.، د. ت. [، ص ٢٣.
(٤) الذهبي، الموقظة في علم مصطلح الحديث، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة] مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب، ط ٢، ١٤١٢ هـ[، ص ٥٣.
1 / 11
وعرفه ابن كثير بقوله: "أن تزاد لفظة في متن الحديث من كلام الراوي، فحسبها من يسمعها مرفوعة في الحديث، فيرويها كذلك" (١).
فهذه التعريفات اقتصرت على تعريف المدرج في المتن، والأولى أن يشمل التعريف المدرج بقسميه.
ومن التعريفات التي عرفت كل قسم على حدة:
تعريف ابن الصلاح، حيث عرفه بقوله: "وهو أقسام: منها ما أُدرِج في حديث رسول الله ﷺ من كلام بعض راوته، بأن يذكر الصحابيّ أو من بَعْدَه، عَقِبَ ما يرويه من الحديث، كلامًا من عند نفسه، فيرويه مَنْ بعدَه موصولًا غيرَ فاصلٍ بينهما بذكر قائله، فيلتبس الأمر فيه على من لا يعلم حقيقة الحال، ويتوهم أن الجميع عن رسول الله ﷺ " (٢)، ثم ذكر أنواعًا من مدرج الإسناد.
وتبع ابن الصلاح في هذا التعريف كثير ممن اختصر كتابه أو شرحه أو علق عليه، كالنووي (٣) والعراقي (٤) والسيوطي (٥)، وغيرهم.
ويؤخذ على هذا التعريف ما يلي:
١ - أنه عرف الشيء بنفسه، فقال: المدرج: ما أُدرج.
٢ - أنه تعريف طويل، والأصل في التعريفات أن تكون وجيزة.
_________
(١) ابن كثير، الباعث الحثيث في اختصار علوم الحديث، تحقيق: أحمد محمد شاكر] دار الكتب العلمية، بيروت، ط ٢، د. ت. [، ص ٧٣.
(٢) ابن الصلاح، أنواع علوم الحديث (المعروف بمقدمة ابن الصلاح)، ص ٩٥.
(٣) انظر: التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث للنووي] دار الكتاب العربي، بيروت، ط ١، ١٤٠٥ هـ[، ص ٤٦.
(٤) انظر: التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح للعراقي] المكتبة السلفية، المدينة المنورة، ط ١، ١٣٨٩ هـ[، ص ١٢٧.
(٥) انظر: تدريب الراوي في شرح تقريب النووي للسيوطي] مكتبة طيبة، بدون بيانات [، ١/ ٣١٤.
1 / 12
٣ - أنه لا يشمل مدرج الإسناد، حيث بيّن أقسام مدرج الإسناد وعرف كل نوع على حدة بعد تعريفه لمدرج المتن والتمثيل له.
٤ - أنه قصر الإدراج على آخر الحديث، فلم يشمل الإدراج في أول الحديث أو وسطه.
كما اعترض البقاعي على هذا التعريف بقوله: "فإنَّه يُوهِم أنّ التسمية خاصة بالمرفوع وليس كذلك، فليس المرفوع شرطًا فيها" (١)، وهذا اعتراض منهجي سديد؛ فالإدراج يقع في المرفوع وكذلك في الموقوف، فالأولى الإطلاق في العبارة لتكون أسلم من الاعتراض.
التعريف المختار
ولعل أقرب التعريفات إلى الدقة فيما أُرى أن نقول في تعريف المدرج: ما أُدخلت فيه زيادة ليست منه، على وجه يوهم أنها منه.
ثانيًا: أقسام المدرج
ينقسم الحديث المدرج إلى قسمين: مدرج المتن ومدرج الإسناد، وكل قسم ينسلخ منه أنواع أبينها فيما يلي:
أمُدْرَج المَتْن: "فهو أن يَقَع في المتن كلام ليس منه" (٢).
ومثاله ما أخرجه مسلم (٣) من طريق مَعْمَر، عن الزُّهْرِيّ، عن أَبِي سَلَمَة، عن جَابِرٍ، قال: " إِنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ يَقُولَ: هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ، فَأَمَّا إِذَا قَالَ: هِيَ لَكَ مَا عِشْتَ، فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى صَاحِبِهَا".
_________
(١) البقاعي، النكت الوفية بما في شرح الألفية] مكتبة الرشد، ط ١، ١٤٢٨ هـ[، ١/ ٥٣٦.
(٢) ابن حجر، نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، ص ٢٢٦.
(٣) مسلم، المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله ﷺ (المعروف بصحيح مسلم)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي] دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ط.، د. ت. [، كتاب الهِبات، باب الْعُمْرَى، رقم (١٦٢٥)، ٣/ ١٢٤٥.
1 / 13
قال مُحَمَّد بن يَحْيَى الذُّهْلِيّ: "حديث مَعْمَر هذا إنَّما منتهاه إلى قوله هي لك وَلِعَقِبِك وما بعده عندنا من كلام الزُّهْرِيّ" (١).
• أنواع الإدراج في المتن (٢):
١ - إدراج يكون في أوّل الحديث.
٢ - إدراج يكون في أثنائه.
٣ - إدراج يكون في آخِره.
ب مُدْرَج الإسناد: وهو على خمسة أقسام (٣)، الثلاثة الأول ذكرها ابن الصلاح في مقدمته (٤).
١ - أن يروي جماعة الحديث بأَسانيد مختلفة، فيرويه عنهم راوٍ فيَجمع الكلّ على إسنادٍ واحدٍ من تلك الأسانيد ولا يُبَيِّن الاختلاف.
ومثاله: ما رواه الإمام أحمد (٥): عن عبد الرَّحْمَن بن مَهدي، عن سُفْيَانَ، عن مَنْصُورٍ، وَالْأَعْمَشُ، وَوَاصِلٌ، عن أَبِي وَائِلٍ، عن عَمْرِو بن شُرَحْبِيلَ، عن عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ ﷿؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ ﷿ نِدًّا، وَهُوَ خَلَقَكَ»، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ طَعَامِكَ» - وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَرَّةً: «أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ» -، قال: ثمّ قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ».
ورواية وَاصِل هنا مُدْرَجة على رواية مَنْصُور وَالْأَعْمَش؛ لأَن واصلًا لم يذكر فيه
_________
(١) ابن عبد البر، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، ٧/ ١١٢.
(٢) انظر: المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
(٣) انظر: المصدر نفسه، الصفحة نفسها، وانظر: النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر، ٢/ ٨٣٢.
(٤) ابن الصلاح، أنواع علوم الحديث (المعروف بمقدمة ابن الصلاح)، ص ٩٥، ٩٦.
(٥) الإمام أحمد، المسند، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، وآخرون] مؤسسة الرسالة، ط ١، ١٤٢١ هـ[: مسند عبد الله بن مسعود ﵁، رقم (٤١٣١)، ٧/ ٢٠٠.
1 / 14
عمرًا بن شُرَحْبِيل، بل يرويه عن أبي وَائِل، عن عبد الله، .. وَقد بَيّن الإسنادين مَعًا يحيى الْقطَّان فِي رِوَايَته عن الثَّوْريّ، وفصل أحدها عن الآخر، كما رواه البُخَارِيّ (١): عن: عَمْرو بن عَليّ، عَن يحيى، عَن سُفْيَان، عَن مَنْصُور وَالْأَعْمَش، كِلَاهُمَا عَن أبي وَائِل، عَن عَمْرو. وعن: سُفْيَان، عَن وَاصل، عَن أبي وَائِل، عَن عبد الله، من غير ذكر عَمْرو بن شُرَحْبيل (٢).
٢ - أن يكون المتن عند راوٍ إِلاّ طرفًا منه فإِنَّه عنده بإسنادٍ آخر، فيرويه راوٍ عنه تامًّا بالإِسناد الأوَّل.
ومثاله (٣): "رواية سَعِيدِ بْن أَبِي مَرْيَمَ، عن مَالِكٍ، عن الزُّهْرِيّ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَنَافَسُوا ... الحديث" (٤)،
فَقَوْلُهُ: "لَا تَنَافَسُوا" أَدْرَجَهُ ابن أَبِي مَرْيَمَ من مَتْنِ حَدِيثٍ آخَرَ، رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عن الْأَعْرَجِ عن أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ: "لَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَنَافَسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا" (٥).
٣ - أَن يكون عند الرَّاوي متنان مختلفان بإسنادين مختلفين، فيرويهما راوٍ
_________
(١) البخاري، الجامع المسند الصحيح: كتاب الحدود، باب إثم الزناة، رقم (٦٨١١)، ٨/ ١٦٤.
(٢) انظر: شرح نخبة الفكر في مصطلحات أهل الأثر للقاري] دار الأرقم، بيروت، د. ط.، د. ت. [، ١/ ٤٦٤.
(٣) انظر: أنواع علوم الحديث (المعروف بمقدمة ابن الصلاح)، ص ٩٧.
(٤) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه دون قوله "وَلَا تَنَافَسُوا": كتاب الأدب، باب ما ينهى عن التّحاسد والتّدابر، والتنافس، والتناجش ونحوها، رقم (٦٠٦٥)، ٨/ ١٩، قال: حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «لاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ»، سائر الرواة عن الإمام مالك رووا هذا الحديث عنه بهذا اللفظ، وزاد سعيد بن أبي مريم في هذا الحديث عن مالك: "ولا تنافسوا" قال حمزة بن محمَّد الكناني: "لا أعلم أحدا قال في هذا الحديث عن مالك "ولا تنافسوا" غير سعيد بن أبي مريم (انظر: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر، ٦/ ١١٦) ..
(٥) حديث أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب البّر والصّلة والآداب، باب تحريم الظّن، والتجسّس، والتنافس، والتناجش ونحوها، رقم (٢٥٦٣)، ٤/ ١٩٨٥، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، أن النبي ﷺ قال: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَنَافَسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا».
1 / 15
عنه مُقتصرًا على أحد الإسنادين، أو يروي أحد الحديثين بإسناده الخاصّ به، لكن، يزيد فيه من المتن الآخَر ما ليس في الأول.
ومثاله: ما رواه الخطيب (١) من طريق عَبْد الرَّزَّاق، قال: أنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيّ، عَنْ عَلِيِّ بن الحسين، عن عمرو ابن عُثْمَان، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا؟ - وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ، ثُمَّ قَالَ: نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ قَاسَمَتْ قُرَيْشٌ على الكفر -يعني بِخَيْفِ الأَبْطَحِ- قَالَ الزُّهْرِيّ: وَالْخَيْفُ الْوَادِي، قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا حَالَفُوا بَنِي بَكْرٍ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ أَنْ لا يُجَالِسُوهُمْ، وَلا يُنَاكِحُوهُمْ، وَلا يُبَايِعُوهُمْ، وَلا يُؤْوُوهُمْ".
قال الخطيب: "روى مَعْمَر عن الزُّهْرِيّ هذا الحديث هكذا سياقة واحدة بإسناد واحد ووهم في ذلك، لأنه حديثان بإسنادين مختلفين، فمن أوله إلى آخر قوله: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم" يرويه الزُّهْرِيّ عن علي بن الحسين بالإسناد الذي ذكرناه. وما بعد ذلك إلى آخر الحديث إنما هو عند الزُّهْرِيّ عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة" (٢).
٤ - أن يسمع الحديث من شيخه إلا طرفًا منه فيسمعه عن شيخه بواسطة، فيرويه راوٍ عنه تمامًا بحذف الواسطة.
ومثاله (٣): حَدِيث إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن حميد عَن أنس في قصَّة العرنيين وأن النَّبِي ﷺ قَالَ لَهُم: "لَو خَرجْتُمْ إِلَى إبلنا فشربتم من أَلْبَانهَا وَأَبْوَالهَا" فَإِن لَفْظَة "وَأَبْوَالهَا" (٤)
_________
(١) الخطيب البغدادي، الفصل للوصل المدرج في النقل، تحقيق: محمد بن مطر الزهراني] دار الهجرة، ط ١، ١٤١٨ هـ[، ٢/ ٦٨٩.
(٢) المصدر نفسه، ٢/ ٦٩٠.
(٣) طاهر الجزائري، توجيه النظر إلى أصول الأثر، ١/ ٤١٣.
(٤) أخرج النسائي الروايتين في المجتبى، كتاب تحريم الدم، باب ذكر اختلاف الناقلين لخبر حميد، عن أنس بن مالك، فيه، رقم (٤٠٢٩)، ٧/ ٩٦، فمن رواية إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر، قال: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ قَالَ: أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أُنَاسٌ مِنْ عُرَيْنَةَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَوْ خَرَجْتُمْ إِلَى ذَوْدِنَا فَكُنْتُمْ فِيهَا، فَشَرِبْتُمْ مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا» فَفَعَلُوا، فَلَمَّا صَحُّوا، قَامُوا إِلَى رَاعِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَتَلُوهُ، وَرَجَعُوا كُفَّارًا، وَاسْتَاقُوا ذَوْدَ النَّبِيِّ ﷺ، فَأَرْسَلَ فِي طَلَبِهِمْ، فَأُتِيَ بِهِمْ فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، ومن رواية ابن أبي عدي رقم (٤٠٣١)، ٧/ ٩٦، قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: أَسْلَمَ أُنَاسٌ مِنْ عُرَيْنَةَ، فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَوْ خَرَجْتُمْ إِلَى ذَوْدٍ لَنَا، فَشَرِبْتُمْ مِنْ أَلْبَانِهَا» قَالَ حُمَيْدٌ وَقَالَ قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ: «وَأَبْوَالِهَا»، فَفَعَلُوا ..... الحديث ..
1 / 16
إِنَّمَا سمعها حميد من قَتَادَة عَن أنس، كما بينه مُحَمَّد بن أبي عدي ومروان بن مُعَاوِيَة وَيزِيد بن هَارُون وَغَيرهم، إِذْ رَوَوْهُ عَن حميد عَن أنس بِلَفْظ فشربتم من أَلْبَانهَا وَعِنْدهم قَالَ حميد قَالَ قَتَادَة عَن أنس وَأَبْوَالهَا؛ فرواية إِسْمَاعِيل على هَذَا فِيهَا إدراج.
٥ - أن يسوق الإسناد فيعرض له عارض، فيقول كلامًا من قبل نفسه، فيظن بعض من سمعه أَنَّ ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد؛ فيرويه عنه كذلك.
مثاله: حديث رواه ثابت بن موسى الزاهد عن شريك عن الأَعْمَشِ عن أَبِي سُفْيَانَ عن جَابِرٍ عن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: " من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار" (١).
وهذا قول شريك، قاله في عقب حديث الأَعْمَش عن أَبِي سُفْيَانَ عن جابر: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد" فأدرجه ثابت في الخبر وجعل قول شريك مِنْ كَلامِ النَّبِيِّ ﷺ ثم سرق هذا جماعة من الضعفاء من ثابت وحدثوا به عن شريك (٢).
وأصل القصة: أن ثابت بن موسى، دخل على شريك بن عبد الله القاضي وهو يملي ويقول: "حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله ﷺ ... "، وسكت ليكتب المستملي، فلما نظر إلى ثابت قال: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار"، وقصد بذلك ثابتًا لزهده وورعه، فظن ثابت أنه متن ذلك الإسناد، فكان يحدث به
_________
(١) أخرجه ابن ماجة في السنن: كتاب إقامة الصلاة، والسنة فيها، باب ما جاء في قيام اللّيل، رقم (١٣٣٣)، ١/ ٤٢٢.
(٢) ابن حِبّان، المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، تحقيق: محمود إبراهيم زايد] دار الوعي، حلب، ط ١، ١٣٩٦ هـ[، ١/ ٢٠٧.
1 / 17
كذلك، فعلى هذا هو من أقسام المدرج (١).
ثالثًا: وجوه معرفة المدرج
يمكن معرفة المدرج من خلال ما يلي (٢):
١ - أن يستحيل إضافة ذلك إلى النبي ﷺ.
ومثاله: ما أخرجه البخاري عن بِشْر بن مُحَمَّد، قال: أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بن المبارك، أَخْبَرَنَا يُونُس بن يزيد، عن الزُّهْرِيّ، قال، سَمِعْتُ سَعِيدَ بن المُسَيِّبِ، يَقُول: قَال أبو هُرَيْرَة ﵁: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لِلْعَبْدِ المَمْلُوكِ الصَّالِحِ أَجْرَانِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلاَ الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالحَجُّ وَبِرُّ أُمِّي، لَأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ» (٣).
فهذا الفصل الذي في آخر الحديث لا يجوز أن يكون من قول النبي ﷺ إذ يمتنع عليه ﷺ أن يتمنى أن يصير مملوكا، وأيضا فلم يكن له أمّ يبرها، بل هذا من قول أبي هريرة ﵁ أدرج في المتن (٤).
وقد رواه مسلم (٥) من طريق ابن وهب عن يونس، فساق الحديث إلى قوله "أجران" فقال فيه: "والذي نفس أبي هريرة بيده .. " إلى آخره.
٢ - أن يصرح الصحابي بأنه لم يسمع تلك الجملة من النبي ﷺ.
ومثاله ما أخرجه ابن الأعرابي، قال: نا أَحْمَد بن عَبْد الْجَبَّارِ، نا أَبُو بَكْرِ بن عَيَّاشٍ، عن عَاصِم، عن زِرٍّ عن عَبْد اللَّه بن مَسْعُودٍ ﵁ قال: سمعت النبي ﵁ يقول: "مَنْ مَاتَ وَهُوَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ دَخَلَ النَّارَ، وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ" (٦).
_________
(١) انظر توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار للصنعاني] دار الكتب العلمية، بيروت، ط ١، ١٤١٧ هـ[، ٢/ ٦٧.
(٢) انظر: النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر، ٢/ ٨١٢.
(٣) البخاري، الجامع المسند الصحيح: كتاب العتق، باب العبد إذا أحسن عبادة ربّه ونصح سيده، رقم (٢٥٤٨)، ٣/ ١٤٩.
(٤) ابن حجر، النكت على كتاب ابن الصلاح، ٢/ ٨١١.
(٥) مسلم، المسند الصحيح المختصر: كتاب الإيمان، باب ثواب العبد وأجره إذا نصح لسيده وأحسن عبادة الله، رقم (١٦٦٥)، ٣/ ١٢٨٤.
(٦) ابن الأعرابي، معجم ابن الأعرابي، تحقيق: عبد المحسن بن إبراهيم بن أحمد الحسيني] دار ابن الجوزي، الرياض، ط ١، ١٤١٨ هـ[، رقم (٨٤٠)، ٢/ ٢٣١.
1 / 18