الصلاة على رسول الله ﵌ فضلها ومعناها وكيفيتها ومواضعها والتحذير من تركها
الصلاة على رسول الله ﵌ فضلها ومعناها وكيفيتها ومواضعها والتحذير من تركها
Издатель
مكتبة دار العلوم
Место издания
البحيرة (مصر)
Жанры
الصلاة على رسول الله ﵌
فضلها ومعناها وكيفيتها ومواضعها والتحذير من تركها
جمع وترتيب
شحاتة صقر
جميع الحقوق محفوظة
رحم الله الإمام أحمد - إمام أهل السنة - الذي أنشد:
دينُ النبيِّ محمدٍ أخبارُ ... نِعْمَ المَطِيَّةُ للفتى آثارُ
لا ترغَبَنَّ عن الحديثِ وأهلِهِ ... فالرأيُ ليلٌ والحديثُ نهارُ
ولربما جهِلَ الفتى أثرَ الهدَى ... والشمسُ بازغةٌ لها أنوارُ
الناشر: مكتبة دار العلوم
البحيرة - أبو حمص - حي الزهور
ت ٠٤٥٢٥٦٩٨٢٦ـ٠١٢٩٧٣٢١٣١
Неизвестная страница
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
أما بعد: فإن خيرَ الحديث كلامُ الله، وخيرَ الهدي هدي محمد ﵌، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
فهذه رسالة في (الصلاة على النبي ﵌) جُمِعَتْ من كلام أهل العلم؛ نُوَفّي بها بعض حقه ﵌ علينا؛ فإن أعظم النعم التي تفضل الله بها علينا أن جعلنا من أمة الإسلام، ومن أمة هذه الحبيب ﵌، فهو ﵌ البشير النذير، والسراج المنير، والرءوف الرحيم بأمته، العطوف بهم، الحريص عليهم.
والحديث عنه ﵌ مفتاح القلوب وبهجة النفوس، وأسعدُ الناس من يُوَفَّق في عبادته لله بالصلاة على النبي ﵌، فإنها من أجَلّ العبادات التي يتقرب بها العبد إلى مولاه ﷿، وينال بها مناه في الدنيا والآخرة.
وإن أولى الناس بشفاعة النبي ﵌ يوم القيامة أكثرهم صلاة عليه ﵌، وعملًا بشريعته، وتمسكًا بسنته ﵌.
والمُكْثِرُ من الصلاة والسلام على رسول الله ﵌ يضرب البرهان الساطع والدليل القاطع على محبته لرسول الله ﵌، والرسول ﵌ يبشره بأنه مع من أحب.
فعن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: جاء رجل إلى رسول الله ﵌ فقال: يا رسول الله، كيف تقول في رجل أحبَّ قومًا، ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله ﵌: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ». (رواه البخاري ومسلم)
وليس لي من عمل في هذه الرسالة إلا الجمع والترتيب، والبحث عن صحة الأحاديث في كتب الشيخ الألباني ﵀. ومعظم هذه الرسالة من كتاب (جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام) للإمام ابن القيم ﵀، واللهَ نسأل أن ينفع المسلمين بهذه الورقات وأن يرزقنا الإخلاص في السر والعلن.
اللهم ارزقنا حُبَّك وحُبَّ رسولِك ﵌، واللهم اجعل حُبَّك وحُبَّ رسولِك ﵌ أحبَّ إلينا من المال والأهل والولد، ووفقنا لنصرة دينه، وارزقنا مرافقته في الجنة تفضلًا منك وإحسانًا.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وأمينِه على وحْيِه - سيدنا وإمامنا ونبينا محمد بن عبد الله - وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
شحاتة محمد صقر
saqrmhm@gawab.com
1 / 3
أَمْرُ الله ﷿ بالصلاة والسلام على نبينا ﵌ -
قال الله ﷿: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:٥٦].
قال أبو العالية: صلاة الله: ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة: الدعاء. وقال ابن عباس: يصلون: يبرِّكون. (رواه البخاري)
يُبَرِّكُونَ عَلَى النَّبِيّ ﵌: أَيْ يَدْعُونَ لَهُ بِالْبَرَكَةِ.
وقال الإمام الترمذي ﵀: ورُوِيَ عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم قالوا: صلاة الرب: الرحمة، وصلاة الملائكة: الاستغفار.
والمقصود من هذه الآية: أن الله سبحانه أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه.
ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعًا.
1 / 6
فإذا كان مولانا ﷾ في عظمته وكبريائه، وملائكته في أرضه وسمائه يصَلّون على النبي الأمي ﵌ إجلالًا لقدره، وتعظيمًا لشأنه، وإظهارًا لفضله، وإشارة إلى قُربه من ربه، فما أحرانا نحن المؤمنين أن نُكثِر من الصلاة والسلام عليه امتثالًا لأمر الله ﷾، وقضاءً لبعض حقه ﵌؛ فقد أخرجنا الله به من الظلمات إلى النور، وهدانا به إلى الصراط المستقيم، وجعلنا به من خير الأمم، وفضلنا به على سائر الناس أجمعين، وكتب لنا به الرحمة التي وسعت كل شيء ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ﴾ [الأعراف:١٥٦ - ١٥٧]. فالحمد لله الذي هدانا للإسلام، والحمد لله أن جعلنا من أمة محمد ﵌.
حكم الصلاة على النبي ﵌ -
في مدى مشروعيّة هذه الصلاة أقوال:
أحدها: تجب في العمر مرة، في الصلاة أو في غيرها، ككلمة التوحيد؛ لأن الأمر مطلق لا يقتضي تكرارًا. والماهية تحصل بمرة.
قال القاضي عياض وابن عبد البر: وهو قول جمهور الأمة.
والثاني: أنه يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد.
والثالث: تجب كلما ذُكر.
والرابع: تجب في كل صلاة في تشهدها الأخير.
والخامس: إنها مستحَبّة وليست واجبة.
وهناك أقوال غيرها.
مواطن الصلاة على النبي ﵌ -
١ - في الصلاة في آخر التشهد: وقد أجمع المسلمون على مشروعية الصلاة على النبي ﵌ في هذا الموضع واختلفوا في وجوبها فيه.
وقد استدل من قال بوجوب الصلاة على النبي ﵌ بأن رَسُولُ اللهِ ﵌ سَمِعَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ اللهَ تَعَالَى وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ ﵌ فَقَالَ رَسُولُ الله ﵌: «عَجِلَ هَذَا» ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ - جَلَّ وَعَزَّ - وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ ﵌ ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ». (صحيح رواه أبو داود).
وسمع رسول الله ﵌ رجلا يصلي فمجَّد الله وحمِدَه وصلى على النبي ﵌؛ فقال ﵌: «ادْعُ تُجَبْ وسَلْ تُعْطَ» (رواه النسائي بسند صحيح)
٢ - في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية: لحديث أبي أمامة ﵁ أنه أخبره رجل من أصحاب النبي ﵌: «أن السُّنَّة في الصَّلَاةِ علَى الجنَازةِ أنْ يُكَبِّر الإمَامُ، ثُمَّ يَقْرَأَ بفَاتِحَةِ الكِتَابِ بَعْدَ التَّكْبيرة الأولَى سِرًّا في نفْسِه، ثم يُصَلِّي على النَّبي ﵌ ...» (صحيح رواه النسائي وغيره)
٣ - يوم الجمعة: فعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﵌: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ؛ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ؛ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ»
قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ؟ - يَقُولُونَ: بَلِيتَ - فَقَالَ: «إِنَّ الله ﷿ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ» (صحيح رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه).
(فِيهِ النَّفْخَة): أَيْ النَّفْخَة الثَّانِيَة الَّتِي تُوصِل الْأَبْرَار إِلَى النِّعَم الْبَاقِيَة.
1 / 7
(وَفِيهِ الصَّعْقَة): أَيْ الصَّيْحَة وَالْمُرَاد بِهَا الصَّوْت الْهَائِل الَّذِي يَمُوت الْإِنْسَان مِنْ هَوْله وَهِيَ النَّفْخَة الْأُولَى.
(فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاة فِيهِ): أَيْ فِي يَوْم الْجُمُعَة لِكَوْنِ إشْغَال الْوَقْت الْأَفْضَل بِالْعَمَلِ الْأَفْضَل هُوَ الْأَكْمَل وَالْأَجْمَل وَلِكَوْنِهِ سَيِّد الْأَيَّام فَيُصْرَف فِي الصلاة على سَيِّد الْأَنَام ﵌.
(فَإِنَّ صَلَاتكُمْ مَعْرُوضَة عَلَيَّ) أَيْ هِيَ مَعْرُوضَة عَلَىَّ كَعَرْضِ الْهَدَايَا عَلَى مَنْ أُهْدِيَتْ إِلَيْهِ؛ فَهِيَ مِنْ الْأَعْمَال الْفَاضِلَة وَمُقَرِّبَة لَكُمْ إِلَيَّ كَمَا تُقَرِّبُ الْهَدِيَّة الْمُهْدِي إِلَى الْمُهْدَى إِلَيْهِ.
(قَالَ): أَيْ أَوْس الرَّاوِي (يَقُولُونَ): أَيْ الصَّحَابَة.
(حَرَّمَ عَلَى الْأَرْض أَجْسَاد الْأَنْبِيَاء): أَيْ مَنَعَهَا مِنْ أَنْ تَأْكُلهَا فَإِنَّ الْأَنْبِيَاء فِي قُبُورهمْ أَحْيَاء.
قال ﵌: «الأنْبِيَاءُ أحْيَاءٌ في قُبُورِهِمْ يُصَلّونَ». (صحيح رواه أبو يعلى والبزار)
والحياة التي أثبتها هذا الحديث للأنبياء ﵈ إنما هي حياة برزخية، ليست من حياة الدنيا في شيء، ولذلك وجب الإيمان بها دون ضرب الأمثال لها ومحاولة تكييفها وتشبيهها بما هو المعروف عندنا في حياة الدنيا.
هذا هو الموقف الذي يجب أن يتخذه المؤمن في هذا الأمر: الإيمان بما جاء في الحديث دون الزيادة عليه بالأقيسة والآراء كما يفعل أهل البدع الذين وصل الأمر ببعضهم إلى ادعاء أن حياته ﵌ في قبره حياة حقيقية!! فقالوا: إنه يأكل ويشرب ويجامع نساءه!!! ويستقبل الزائرين ويصافحهم!!! ونحو ذلك.
فحياة الأنبياء في قبورهم إنما هي حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله ﷾.
وقد قال الله ﷿ لنبيه ﵌: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ - (الزمر:٣٠)، وقال: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾. (الأنبياء:٣٤) مع يقيننا الصادق أن روحه ﵌ في أعلى الجنان، وأن الله حرَّم على الأرض أجساد الأنبياء، وأن الحياة البرزخية تختلف عن الحياة الدنيا وعن الحياة الآخرة.
فإن بين الأحياء والأموات حاجز يمنع الاتصال فيما بينهم قطعيًا؛ وعلى هذا فيستحيل الاتصال بينهم لا ذاتًا ولا صفات، والله ﷾ يقول: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ (المؤمنون:١٠٠) والبرزخ معناه: الحاجز الذي يحول دون اتصال هؤلاء بهؤلاء.
1 / 10
٤ - بعد سماع الأذان: فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ﵄ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﵌ يَقُولُ: «إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ؛ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا الله لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ الله، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ؛ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ» (رواه مسلم).
(الْوَسِيلَة) قَدْ فَسَّرَهَا ﵌ بِأَنَّهَا مَنْزِلَة فِي الْجَنَّة.
وَقَوْله ﵌: (حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَة) أَيْ وَجَبَتْ، وَقِيلَ: نَالَتْهُ.
تنبيه: هذا أمر من النبي ﵌ بالصلاة عليه بعد الأذان، وهذا عام يشمل المؤذن وغيره؛ قال النبي ﵌ «إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ» وكلمة (ثم) فيها دليل على أن الصلاة على النبي ﵌ ليست من ألفاظ الأذان؛ لأن الصلاة على النبي ﵌ تكون بعد ترديد ما يقوله المؤذن، فدل ذلك على أن المؤذن لا يرفع الصوت بالصلاة على النبي ﵌ بعد الأذان.
فهل كان بلال أو ابن أم مكتوم وكل من أذَّن للرسول ﵌ و﵃ يفعلون ما يفعله بعض المؤذنين في هذا الزمان من رفع الصوت بالصلاة على النبي ﵌ بعد الأذان؟ وهل فُعِل ذلك في
1 / 12
عهد الخلفاء الراشدين ﵃ الذين أُمِرْنا بالاقتداء بسنتهم وكذلك في عهد الأئمة الأربعة وأتباع التابعين أو أحد القرون الثلاثة المفضَّلة؟
اللهم لا. ومن قال بخلاف هذا فقد افترى على الإسلام ودعاته الأوائل.
وهل يوجد في صفة الأذان في أي كتاب من كتب الفقه والحديث المعتمدة ما أحدثه المؤذنون من الصلاة على النبي ﵌ على المنائر بعد الأذان؟ اللهم إنه لا يوجد حتى في كتب الفقهاء المتأخرين.
قال ﵌: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ» (متفق عليه). وكل بدعة في الدين ضلالة في النار. فكل ما لم يَرِدْ فِعْلُه عن النبي ﵌ ولا خلفائه الراشدين فهو مردود على صاحبه كائنًا من كان. ولا توجد بدعة حسنة وأخرى سيئة في الإسلام.
فالجهر بالصلاة والسلام على رسول الله ﵌ عقب الأذان غير مشروع. قال ابن حجر في (الفتاوى الكبرى): «الأصل سنة والكيفية بدعة».
1 / 13
وكذلك قول المؤذن حين الأذان أو الإقامة: أشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله. قال الحافظ ابن حجر: «إنه لا يزاد ذلك في الكلمات المأثورة».
قال الشيخ سيد سابق في (فقه السنة): «الأذان عبادة ومدار الأمر في العبادات على الاتباع فلا يجوز لنا أن نزيد شيئا أو ننقص شيئًا في ديننا. وفي الحديث الصحيح: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ» أي باطل.
٥ - في كل مجلس: فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنْ النَّبِيِّ ﵌ قَالَ: «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً؛ فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ» (صحيح رواه الترمذي)
(إِلَّا كَانَ) أَيْ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ.
(عَلَيْهِمْ تِرَةً) أَيْ تَبِعَةً وَمُعَاتَبَةً، أَوْ: نُقْصَانًا وَحَسْرَةً وَنَدَامَةً.
(فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ) أَيْ بِذُنُوبِهِمْ السَّابِقَةِ وَتَقْصِيرَاتِهِمْ اللَّاحِقَةِ.
(وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ) أَيْ فَضْلًا مِنْهُ وَرَحْمَةً.
٦ - عند ذِكْرِه ﵌: فعن الحسين بن علي ﵁ عن النبي ﵌ قال: «البَخِيلُ منَْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ» (صحيح رواه النسائي وابن حبان والحاكم).
وقد اختلف العلماء في وجوبها كلما ذكر اسمه ﵌، فقال أبو جعفر الطحاوي، وأبو عبيد الله الحليمي: تجب الصلاة عليه ﵌ كلما ذكر اسمه.
وقال غيرهما: إن ذلك مستحب، وليس بفرض يأثم تاركه.
٧ - عند دخول المسجد والخروج منه: قَالَ رَسُولُ الله ﵌: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ ﵌.ثُمَّ لْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، فَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ». (صحيح رواه أبو داود)
وعَنْ فَاطِمَةَ ﵂ - بِنْتِ رَسُولِ اللهِ ﵌ - قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﵌ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَقُولُ: «بِسْمِ اللهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ الله، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ».
وَإِذَا خَرَجَ قَالَ: «بِسْمِ اللهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ الله، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ» (صحيح رواه ابن ماجه)
1 / 14
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﵌ قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ ﵌. وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ ﵌، وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» (صحيح رواه ابن ماجه).
٨ - عند الدعاء: قال ﵌: «كُلّ دُعَاءٍ مَحْجُوبٌ حَتَّى يُصَلَّى على النَّبِي ﵌» (حسنه الألباني في صحيح الجامع).
وعن عبد الله بن أبي بكر قال: كنا بالخيف ومعنا عبد الله ابن أبي عتبة: فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي ﵌، ودعا بدعوات ثم قام فصلى بنا» (صحيح رواه الجهضمي في فضل الصلاة على النبي ﵌)
٩ - في القنوت: عن قتادة عن عبد الله بن الحارث: أن أبا حليمة معاذ ﵁ كان يصلي على النبي ﵌ في القنوت» (صحيح رواه الجهضمي في فضل الصلاة على النبي ﵌)
١٠ - في الصباح والمساء: قال رسول الله ﵌: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ حِينَ يُصْبِحُ عَشْرًا، وحِينَ يُمْسِي عَشْرًا أَدْرَكَتْهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَة». (حسن رواه الطبراني)
1 / 16
١١ - بين تكبيرات العيد: عن علقمة، أن ابن مسعود وأبا موسى، وحذيفة ﵃، خرج عليهم الوليد بن عقبة قبل العيد يومًا، فقال لهم: «إن هذا العيد قد دنا فكيف التكبير فيه؟»
قال عبد الله: «تبدأ فتكبر تكبيرة تفتتح بالصلاة وتحمد ربك وتصلي على النبي محمد ﵌، ثم تدعو أو تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تقرأ ثم تكبر وتركع، ثم تقوم فتقرأ وتحمد ربك وتصلي على النبي محمد ﵌، ثم تدعو وتكبر الله، وتفعل مثل ذلك، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك، ثم تركع.
فقال حذيفة وأبو موسى: صدق أبو عبد الرحمن».
(صحيح رواه الجهضمي في فضل الصلاة على النبي ﵌)
1 / 17
التحذير من ترك الصلاة على النبي ﵌ -
عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﵌ صعد المنبر فقال: «آمِين، آمِين، آمِين».
قيل: يا رسول الله، إنك صَعَدتَ المنبر فقلتَ: آمين، آمين، آمين؟
فقال: «إن جبريل ﵇ أتاني فقال: مَنْ أدركَ شَهْرَ رمضانَ فلم يُغفَر له فدخلَ النارَ فأَبْعَدهُ الله، قُلْ: آمِين، فقلتُ: آمِين.
ومَن أَدْرَكَ أبَويْه أو أحدَهُما فلم يبرّهُما فمات، فدخلَ النارَ فأَبْعَدهُ الله، قُلْ: آمِين، فقلتُ: آمِين.
ومن ذُكِرْتَ عنده فلم يُصَلّ عليكَ فمات، فدخلَ النارَ فأَبْعَدهُ الله، قُلْ: آمِين، فقلتُ: آمِين». (حسن صحيح رواه ابن حبان)
وتأمل: جبريل ﵇ يدعو ونبينا ﵌ يقول: آمين؛ فاحذر أخي المسلم.
وعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﵌: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ
1 / 18
رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ» (حسن صحيح رواه الترمذي)
وعن حسين بن علي ﵄ قال: قال رسول الله ﵌: «من ذُكِرْتُ عنده فخَطِىءَ الصلاةَ عليَّ، خَطِىءَ طريقَ الجنّة» (صحيح رواه الطبراني)
وعن حسين ﵁ عن النبي ﵌ قال: «البخيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلّ عَلَيَّ» (صحيح رواه النسائي وابن حبان)
وعن أبي ذر ﵁ قال: «خرجت ذات يوم فأَتَيتْتُ رسولَ الله ﵌ قال: «ألا أخبركم بأبخل الناس؟»
قالوا: «بلى يا رسول الله».
قال: «مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلّ عَلَيَّ فَذّلِكَ أبخَلُ النَّاسِ» (صحيح رواه ابن أبي عاصم في كتاب الصلاة).
1 / 19
الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة على النبي ﵌ -
قد جاءت الأحاديث مستفيضة توضح فضل الصلاة على النبي ﵌، وتبين مكانة المكثر من الصلاة عليه، فمن ثمرات الصلاة على النبي ﵌:
١ - امتثال أمر الله ﷿ وموافقته ﷾ في الصلاة عليه ﵌:
وإن اختلفت الصلاتان: فصلاتنا عليه دعاء وسؤال، وصلاة الله تعالى عليه ثناء وتشريف.
وأيضًا موافقة الملائكة فيها؛ قال الله ﷿: ﴿إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:٥٦].
٢ - حصول عشر صلوات من الله ﷿ ومن الملائكة على المصلي بالصلاة مرة واحدة على النبي ﵌ ولم تزل الملائكة تصلي عليه ما صلى على النبي ﵌:
قال ﵌: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» (رواه مسلم).
1 / 20
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ ﵁ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﵌ جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالْبُشْرَى فِي وَجْهِهِ فَقُلْنَا: إِنَّا لَنَرَى الْبُشْرَى فِي وَجْهِكَ؟
فَقَالَ: «إِنَّهُ أَتَانِي الْمَلَكُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ: أَمَا يُرْضِيكَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْكَ أَحَدٌ إِلَّا صَلَّيْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا، وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْكَ أَحَدٌ إِلَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا». (صحيح رواه النسائي وغيره).
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ﵁ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﵌ فَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى دَخَلَ نَخْلًا فَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ حَتَّى خِفْتُ أَوْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ اللهُ قَدْ تَوَفَّاهُ أَوْ قَبَضَهُ، فَجِئْتُ أَنْظُرُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: «مَا لَكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ؟»
فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ ﵇ قَالَ لِي أَلَا أُبَشِّرُكَ؟ إِنَّ اللهَ ﷿ يَقُولُ لَكَ: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ، وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ؛ فسَجَدْتُ للهِ شُكْرًا». (حسن رواه أحمد والحاكم).
وعن أنس ﵁ قال: قال رسول الله ﵌: «أَكْثِرُوا الصلاةَ عَليَّ يوَْمَ الجمعَة؛ فإنه أتاني جِبريلُ آنفًا عن ربِّه ﷿ فقال: «مَا عَلَى
1 / 21
الأرضِ مِن مُسلمٍ يُصَلِّي عليكَ مرَّةً واحدةً إلا صليتُ أنا وملائكَتي عليهِ عشرًا» (حسن رواه الطبراني)
وقال رسول الله ﵌: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَلِّي عَلَيَّ إِلَّا صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ مَا صَلَّى عَلَيَّ؛ فَلْيُقِلَّ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لِيُكْثِرْ». (حسن رواه ابن ماجه)
٣ - مَن صلّى على النبي ﵌ صلاة كتب الله له بهًا عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات:
عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ ﵁ قَالَ: أَصْبَحَ رَسُولُ الله ﵌ يَوْمًا طَيِّبَ النَّفْسِ يُرَى فِي وَجْهِهِ الْبِشْرُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، أَصْبَحْتَ الْيَوْمَ طَيِّبَ النَّفْسِ يُرَى فِي وَجْهِكَ الْبِشْرُ؟ قَالَ: «أَجَلْ أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي ﷿ فَقَالَ: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ مِنْ أُمَّتِكَ صَلَاةً كَتَبَ اللهُ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ، وَرَفَعَ لَهُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ، وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَهَا». (صحيح رواه أحمد والنسائي)
٤ - الصلاة على النبي ﵌ سبب لعرض اسم المصلي على رسول الله ﵌، وكفى بالمرء نُبلًا أن يُذكر اسمه بين يدي رسول الله ﵌: فعن ابن مسعود ﵁ عن النبي ﵌ قال: «إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ
1 / 22
فِي الْأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَامَ» (صحيح رواه النسائي وابن حبان)
وعن الحسن بن علي ﵄ أن رسول الله ﵌ قال: «حَيْثُمَا كُنْتُمْ فَصَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّ صَلاتَكُمْ تَبْلُغُنِي». (صحيح رواه الطبراني).
٥ - الصلاة على النبي ﵌ سبب لرد النبي ﵌ الصلاة والسلام على المصلي والمُسَلّم عليه؛ فعن أبي هريرة ﵁ عن رسول الله ﵌ قال: «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ ﵇» (حسن رواه أحمد وأبو داود)
٦ - الصلاة على النبي ﵌ سبب لزيادة محبته ﵌ والقرب منه:
فعن أبي أمامة ﵁ قال: قال رسول الله ﵌: «أكثِرُوا علَيَّ مِن الصلاةِ في كلِّ يومِ جمعة؛ فإن صلاةَ أمَّتي تُعرَضُ عليَّ في كلِّ يومِ جمعة؛ فمَن كانَ أكثرَهم عليَّ صلاةً كانَ أقربَهُم منِّي منزِلةً» (حسن رواه البيهقي)
وعن ابن مسعود ﵁ قال: قال رسول الله ﵌: «أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً». (حسن رواه الترمذي).
(أَوْلَى النَّاسِ بِي) أَيْ أَقْرَبُهُمْ بِي أَوْ أَحَقُّهُمْ بِشَفَاعَتِي.
1 / 23
(أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً) لِأَنَّ كَثْرَةَ الصَّلَاةِ مُنْبِئَةٌ عَنْ التَّعْظِيمِ الْمُقْتَضِي لِلْمُتَابَعَةِ النَّاشِئَةِ عَنْ الْمَحَبَّةِ الْكَامِلَةِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَيْهَا مَحَبَّةُ الله تَعَالَى؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ (آل عمران:٣١).
٧ - الصلاة على النبي ﵌ سبب لغفران الذنوب وسبب لكفاية العبد ما أهمه من أمر الدنيا والآخرة:
فعن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ﵁ قال: كَانَ رَسُولُ الله ﵌ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللهَ، اذْكُرُوا اللهَ، جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ».
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟
فَقَالَ: «مَا شِئْتَ».
قُلْتُ: الرُّبُعَ؟
قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ».
قُلْتُ: النِّصْفَ؟
قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ».
قُلْتُ: فَالثُّلُثَيْنِ؟
قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ».
قُلْتُ: أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا؟
قَالَ: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ».
(حسن صحيح رواه والترمذي)
قول أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ﵁: «أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي؟» معناه: أكثِرُ الدعاء فكم أجعلُ لك من دعائي صلاةً عليك.
قال الإمام ابن القيم ﵀ في (جلاء الأفهام): «وسُئِل شيخنا أبو العباس (ابن تيمية)، عن تفسير هذا الحديث فقال: كان لأبَيِّ ابْنِ كَعْبٍ دعاءٌ يدعو به لنفسه، فسأل النبي ﵌: هل يجعل له منه ربعه صلاة عليه ﵌؟
فقال: إن زِدتَ فهو خير لك. فقال له: النصف؟ فقال: إن زدت فهو خير، إلى أن قَالَ: «إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ»؛ لأن من صلى على النبي ﵌ صلاةً صلى الله عليه بها عشرًا، ومن صلى الله عليه كفاه همه وغفر له ذنبه، هذا معنى كلامه ﵁».اهـ.
وفي رواية لأحمد عن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ﵁ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ الله، أَرَأَيْتَ إِنْ جَعَلْتُ صَلَاتِي كُلَّهَا عَلَيْكَ؟
1 / 24
قَالَ: «إِذَنْ يَكْفِيَكَ اللهُ ﵎ مَا أَهَمَّكَ مِنْ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ» (إسناد ها جيد)
٨ - الصلاة على النبي ﵌ سبب لنَيْل شفاعته ﵌: فعن عبد الله بن عمرو ﵁ قال: قال رسول الله ﵌: «مَنْ صَلَّى عليَّ أو سألَ لِيَ الوسيلةَ حقَّتْ عليهِ شفَاعَتي يَومَ القِيَامَة» (رواه الجهضمي في فضل الصلاة على النبي ﵌ وصححه الألباني)
٩ - يُرجَى إجابة الدعاء إذا قدَّم الداعي الصلاةَ على النبي ﵌ أمامه: قال ﵌: «كلُّ دعاءٌ محجوبٌ حتى يُصَلَّى على النبي ﵌». (حسنه الألباني في صحيح الجامع).
قال المناوي: (كلُّ دعاءٌ محجوبٌ) أي محجوب عن القبول (حتى يُصَلَّي) أي حتى يُصَلِّي الداعي (على النبي ﵌) يعني أنه لا يرفع إلى الله حتى يستصحب الرافع معه الصلاة عليه؛ إذ هي الوسيلة إلى الإجابة».
وعن علي ﵁ قال: «كل دعاء محجوب حتى يصلى على محمد ﵌». (صحيح رواه الطبراني موقوفًا).
1 / 26
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ قَالَ: «إِنَّ الدُّعَاءَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ ﵌» (صحيح رواه الترمذي)
١٠ - الصلاة على النبي ﵌ سبب لطِيبِ المجلس، وأن لا يعود حسرة على أهله يوم القيامة. وتنجي من نتن المجلس الذي لا يذكر فيه الله ويحمد ويثنى عليه فيه، ويصلى على رسوله ﵌.
١١ - الصلاة على النبي ﵌ تنفي عن العبد اسم البخل إذا صلى عليه عند ذكره ﵌، ويخرج بها العبد عن الجفاء.
١٢ - الصلاة على النبي ﵌ ترمي صاحبها على طريق الجنة، وتخطئ بتاركها عن طريقها.
١٣ - الصلاة على النبي ﵌ سب لإبقاء الله سبحانه الثناء الحسن للمصلي عليه بين أهل السماء والأرض: لأن المصَلِّي طالبٌ من الله أن يثني على رسوله ويكرمه ويشرفه، والجزاء من جنس العمل، فلا بد أن يحصل للمصلي نوع من ذلك.
١٤ - الصلاة على النبي ﵌ سبب للبركة في ذات المصلي وعمله وعمره، وأسباب مصالحه: لأن المصلي داعٍ ربه أن يبارك علي النبي ﵌ وعلى آله، وهذا الدعاء مستجاب، والجزاء من جنسه.
1 / 27
١٥ - الصلاة على النبي ﵌ سبب لنَيْل رحمة الله ﷿ للمصلي؛ لأن الرحمة - كما قال ابن القيم ﵀ - إما بمعنى الصلاة كما قاله طائفة، وإما من لوازمها وموجباتها على القول الصحيح، فلا بد للمصلي عليه من رحمة تناله.
١٦ - الصلاة على النبي ﵌ سبب لدوام محبته للرسول ﵌ وزيادتها وتضاعفها: وذلك عقد من عقود الإيمان الذي لا يتم إلا به، لأن العبد كلما أكثر من ذكر المحبوب، واستحضاره في قلبه، واستحضار محاسنه ومعانيه الجالبة لحبه، تضاعف حبه له وتزايد شوقه إليه، واستولى على جميع قلبه.
وإذا أعرض عن ذكره وإحضار محاسنه بقلبه، نقص حبه من قلبه، ولا شيء أقر لعين المحب من رؤية محبوبه، ولا أقر لقلبه من ذكره وذكر محاسنه، وتكون زيادة ذلك ونقصانه بحسب زيادة الحب ونقصانه في قلبه، والحس شاهد بذلك.
١٧ - الصلاة على النبي ﵌ سبب لمحبته للعبد: فإنها إذا كانت سببًا لزيادة محبة المصَلِّى عليه له، فكذلك هي سبب لمحبته هو ﵌ للمصَلِّي عليه.
1 / 28