ليكن عنوان رسائلك إلي بعد الآن: فرانفكورت سورلومين، فون بسمارك، المستشار الملكي الخاص بالسفارة البروسية.
الجزء الثاني
الطموح
أجل، إن ما تنم عليه كل كلمة ينطق بها من العبقرية يزيل شكوكي، ولكنه لا يوثق به وثوقا تاما.
فونتان
الفصل الأول
«يساورني كبير سأم هنا، لا يفتأ النمسويون يحوكون الدسائس تحت ستار من اللطف العنيف، وعلى العموم يبدو ممثلو الدول الصغيرة دمى دبلمية ذوي شعور مستعارة، وهم ينتحلون منظرا رسميا إذا ما سألوني عن نار لشعل سيغار، وهم يعنون بنظراتهم ويختارون ألفاظهم إذا ما أرادوا مفتاح مستراح. ولو كان وجودي هنا لأمر خاص بي لطهرت حقلي من العشب البري أو لعدت إلى داري من فوري، وسأشعر بانحداري وخسري لحريتي بلا سبب ما لم يحول ذلك إلى ما هو أحسن منه بسرعة، ثم إنني لا أعرف كيف أتساوق مع سياستنا الألمانية ما دمت غير ماسك بالحبل الأصلي، وإذا عدوت مقام الملك ومنصب رئيس أركان الحرب ووظيفة وزير الخارجية لم أجد في ميدان الدبلمية البروسية ما يشبع الطموح والنشاط في رجل رشيد.»
وهكذا يترجح بسمارك في أول عمله الدبلمي بين الضجر وعدم الصبر، وبين المهزأة والمنزلة، ولما تمض بضعة أسابيع على تحقيق بسمارك لأمله القديم، وعلى مسكه بقسط من تلك السلطة التي أراد أن يقبض على زمامها بأسرها لكي يحرك ساكن بروسية، والآن تبصره يصرح بأنه لا يجد في عمله ما يستحق أن يبذل في سبيله نشاط رجل راشد، والآن تبصره يعد زملاءه محلا للهزوء، والآن تبصره يود أن يضع عنه القيد الذي اختاره، وهو لو سئل أن يتمهل إحدى عشرة سنة أخرى، وهو لو سمع هاتفا يقول له إنك لن تمسك الحبل الأصلي قبل سنة 1862 «لاعتزل العمل في الحال ولفر مسرعا إلى شونهاوزن»، ومما لا مراء فيه أنه كان راغبا عن رئاسة أركان الحرب، وأنه كان يتطلع إلى الملك، ولو تم له ذلك لحلت المعضلة الألمانية بغتة، ولحل لغز بسمارك.
وبيان ذلك أن الذي يثير أعصابه هو ما كان عليه أن يتلقاه من الأوامر للمرة الأولى، وما كان من شعوره بوجود مولى فوقه، وما كان من بصره إطاعة هذا المولى لمن يعلوه، وإلى زوجه حنة يكتب قوله يوم وصوله إلى فرانكفورت: «يجب علي أن أتعود تحولي إلى عامل جاف منتظم الساعات مخصص أوقاتا لسير الأمور وتقدم العمر، وقد فات زمن الرقص واللعب عندي، فكأن الله وضعني في مكان أصبح فيه رجل جد.» وهو بهذا الوقار يخاطب زوجته، وهي في الحقيقة لا تود مثله أن تعتقد أنه لم يكن رجلا جديا حتى ذلك الحين، وأنه سيغدو رجلا جافيا، وهو في الحقيقة يظل رجل عواطف قوية كما كان في كل وقت، ويسرع هذا المتبرم في ازدراء ما وفق لنيله، ويدع غير القانع هذا ما أنقذه فاوست بعد جهد طويل، يتفتت بين يدي ميفيستوفل.
وفي كتاب إلى غرلاخ يقول: «إن تعييني في هذه السنة لأتخرج في أتفه المفوضيات بألمانية أمر يفوق ما كنت أنتظر.» وفي الواقع أن كل شيء كان يلوح له أفضل من هزال ثرثرة النواب الذين ما انفك يهزأ بهم منذ ثلاث سنين، بيد أن الدبلميين الذين أخذ يختلط بهم لأول مرة في حياته لم يعتموا أن بدوا له «أدعى إلى السخرية من نواب المجلس الأدنى في الأهمية. والآن أعرف جيدا مقدار ما نصنعه في سنة أو سنتين أو خمس سنين، فأستطيع أن أنجزه في أربع وعشرين ساعة إذا ما ملك الآخرون حواسهم وسلكوا سبيل الرشاد ليوم واحد.» ولكنه لم يكد يعود إلى المحيط البرليني الذي كان قد مدحه، والذي ما انفك يستهويه في سنوات فرانكفورت، حتى بدأ يصب جام
Неизвестная страница