ويبقى بسمارك واقفا بين القنابل المتساقطة، ويضرع بسمارك إلى القائد - على غير جدوى - أن يجعل الملك خارج خط النار؛ فما كان جواب رون إلا قوله إن الملك يمكنه أن يذهب راكبا حيث أراد، «والقادة إذ كانوا فريسة الخرافة القائلة إنه لا ينبغي لهم - جنودا - أن يذكروا للملك أمر الخطر، وإني لما كان من عدي قائدا، أرسلوني إليه، وقد تمرغت في الدم، وبالقرب منه، مفرزة مؤلفة من عشرة مدرعين وخمسة عشر حصانا»، ويدفع حصانه نحو الملك ويقول له: «إذا ما أصابتك - يا صاحب الجلالة - قذيفة هنا فسقطت زال كل سرور بالنصر، فأتوسل إليك أن تتفضل فتغادر ميدان القتال!» ويسير الملك ببطوء نحو الشمال ويمر من طريق قاطعة لأخدود، ويتوارى من بنادق العدو وراء سلسلة من الأكمات، وكان الملك في السبعين من عمره، ولم يحدث أن شاهد معركة منذ خمسين عاما، ولا جرم أن بسمارك ساورته مشاعر مختلفة حينما حرض الملك على الخروج من خط الخطر، فمن الراجح أن يكون قد تمثل له تهيب الملك الراحل فردريك ولهلم، وأن يكون قد فكر في الرجل الذي يخلف ولهلم إذا ما قتل، وأن يكون قد فكر في الله أيضا، وعن الملك وبعد المعركة كتب يقول لزوجته هادئا متجملا: «ولكنني أفضل ذلك على أن أراه مفرطا في الحذر.»
وفيما كانت عزائم العدو تنحل ذهب بسمارك إلى مولتكه وسأله: «أتعرف طول المنديل الذي أمسكنا طرفه؟»
مولتكه: «لا أعرف ذلك تماما، وإنما أمسكنا ثلاثة فيالق، ومن المحتمل أن يكون ذلك جميع جيش العدو.»
وينال نصر حاسم، ويلخص ضابط مرافق قضية بسمارك تلخيصا رائعا بقوله: «إنك - يا صاحب الفخامة - رجل عظيم، فلو تأخر ولي العهد لكنت أكبر الفجرة!» ولم يضق صدر بسمارك بهذه الكلمة مع إحساسه، بل ضحك كثيرا.
الفصل العاشر
«العالم ينهار!» هذا ما صاح به سكرتير الدولة في الفاتيكان عندما وصل الخبر إلى رومة في الصباح التالي، وتغدو بروسية منذ ذلك الحين حليفة أمير اللصوص فيكتور إمانويل وتنال معه نصرا على صاحب الجلالة الرسولي، فيعد ذلك إثما قاتلا، وفي يوم المعركة ينتخب في بروسية مائة وأربعون نائبا محافظا قبل معرفة خبرها، وفي اليوم التالي يكلم بسمارك ولي العهد حول الصلح، وستهدف خطبة العرش إلى السلم، «ومع ذلك سنؤلف جامعة لدول شمال ألمانية؛ لتكون أول خطوة نحو الوحدة الألمانية»، والخطة واضحة في ذهنه، ويسنتجد بولي العهد تنفيذا لها؛ فقد هز ذينك الرجلين ما قاما به من عمل جليل معا على الرغم من نفسيهما، وتقرب معجزة الساعة الراهنة بينهما، ويسودهما ضرب من التفاهم الصامت، ويلبي ولي العهد دعوة بسمارك إلى العشاء للمرة الأولى منذ سنين.
والآن يعرف بسمارك حقيقة الشعب الذي لم يعلم عنه شيئا عمليا منذ أيام شونهاوزن، وكيف رآه؟ «إن رجالنا روع
1
طوع شجعاء ودعاء محبون للنظام، وكان رجالنا جياعا لابسين ثيابا مبتلة نازلين أرضا مخضلة، وكان نومهم قليلا وأنسهم كثيرا، ولا يعرف رجالنا النهب ولا الحرق، ويدفع رجالنا ثمن ما يبتاعون، وهم من الخبز الكارج
2
Неизвестная страница