ويحيط أعداؤه به إحاطة السوار بالمعصم، وتدب القوة فيه، ويهجره أكثر المحافظين في الساعة الراهنة، ويرى المحافظون تعذر محاربة آل هابسبرغ الشرعيين، ويبدو لهم أن الذي قاوم رادوويتز منذ ست عشرة سنة تحول إلى رادوويتز جديد، ويجلس صديقه وحاميه ذات حين لويس غرلاخ بالقرب من الموقد مساء فيلومه بين ماء الصودا والسيغارات مهددا إياه بلعنة الله، ويهاجم غرلاخ سياسة بسمارك في جريدة «كروززايتنغ»، فيقول بسمارك لهذا الشيخ البياتي مغاضبا: «لم أبلغ من الحماقة ما أورط البلاد معه في الحروب! وأسير وفق وجهة نظري في هذه المسألة من غير أن يكون للآخرين أي أثر في، وأدبر الأمر مستعينا بالله، لا بعد استشارة أعضاء حزبي.» ويبدو - مع هذا - «فظا شاحبا حادا هائجا بعيدا من القول اللين» ويعرب غرلاخ عن أمله بألا يؤثر هذا الخلاف السياسي في صداقتهما فيلزم بسمارك جانب الصمت، والسكوت في هذا المعرض رفض، وبسمارك لم يكلم غرلاخ بعد ذلك قط.
ويعمل ولي العهد وزوجه في ذلك الوقت، وتعمل أوغوستا أكثر من كل إنسان، ولم يأل الجميع جهدا ضد الحرب، أي ضد بسمارك، ويحصل دوك صديق على رسائل سلمية من الوزير النمسوي ليوصلها إلى الملك، وتقدم عرائض إلى الملك ولهلم من أخلص رعاياه إليه ومن الأمير شارل وسنفت بيلساخ وبوديلشوينغ وغرلاخ ومن جميع البياتيين، حتى الاتحاد المقدس يبعث من القبر، وتبصر غليانا عاما، ويظل رجل واحد هادئا بين الاضطراب، فلما نفخ في صور
7
بسمارك الحربي صرح مولتكه بأن الأنباء عن استعداد النمسة العسكري مبالغ فيها، وبسمارك مع ذلك لم يدخر وسعا في الاستمرار على سياسة حافزة للنمسة إلى مبادرة الهجوم؛ وذلك لما يعلمه من كون الملك لا ينزل الضربة الأولى، ولو خوفا من زوجه، ويروي بسمارك أن أوغوستا كانت في ذلك الوقت من اللاوطنية ما كانت تقع معه «مفاوضات مريبة في برلين تحت رعاية جلالتها على حين كان القتال شديدا على حدود بوهيمية.»
بسمارك في سنة 1868.
وتأتي ولية العهد ما هو أسوأ من ذلك أيضا؛ فقد كتبت في نهاية شهر مارس إلى والدتها بلندن تقول لها: «والدتي العزيزة، يروقك أن تعرفي أن الرجل الخبيث يتميز من الغيظ لرغبة الملك في كتابة فريتز إليك، والأمر هو أن الخطط تتخالط وتغدو غير مجدية، إلخ ... والخلاصة أن الرجل ساخط، وهو لا يألو جهدا في منع كل تدخل، وأرى أن تعلمي هذا؛ ولذا أكتب إليك مباشرة، وإن كان هذا من قبيل الدس الذي أبغضه.» وما كان هذا دسيسة، بل هو خيانة، حتى إن الأميرة فيكتورية، وإن فتئت تكون إنكليزية، وجب عليها أن تعرف أن من تقاليد وزراء إنكلترة في كل زمن عدم السماح للأمراء المنتزحين
8
بالتدخل في شئونهم.
وتساور بسمارك حمى من الهيجان، ويروي شاهد عيان أنه كان وهو جالس حول مائدة الطعام يضع يده على جبينه في الحين بعد الحين، فيقول بصوت خافت: «أرانا صائرين إلى الجنون!»
وماذا يصنع الأمراء الألمان؟ أيدعون بروسية تقودهم؟ يواثب بسمارك وحي سعادة في ذلك الحين فيتذرع بأدعى الوسائل إلى الحيرة؛ كسبا للرأي العام؛ فهو يقترح على الجامعة الألمانية دعوة مجلس ألماني تمثيلي منتخب بالتصويت العام انتخابا مباشرا! أجل، مات لاسال، غير أن إحدى فكره العظيمة تبعث بغتة على هذا الوجه، وبسمارك يقول في مشيبه: «نظرت إلى ضرورة الحال في أثناء مكافحة الخارج فلم أتحرج في الالتجاء إلى الوسائل الثورية، فأبشر بالتصويت العام الذي هو أقوى سهم لدى الأحرار؛ وذلك للقضاء على كل ميل في الممالك الأجنبية إلى وضع إصبع في عجتنا
Неизвестная страница