أنت ترى وجود اتجاهين يمثل أحدهما مانتوفل، ويمثل الاتجاه الآخر الملائم لروسية غرلاخ هنا ومونستر في سان بطرسبرغ، وقد وصلت حديثا، ويدعوك الملك لتكون حكما إلى حد ما، وسيكون لرأيك قيمة، فألتمس منك أن تذهب إلى هذا المعنى وهو: أن وضع روسية مما يؤلب جميع أوروبة عليها وأنها ستغلب في نهاية الأمر.
والواقع أن ولهلم كان يود تهديد ابن أخته القيصر عن صداقة له، ومن ثم كان يريد إنقاذه من أوروبة المتفقة عليه.
بسمارك :
لا أستطيع أن أصنع ذلك، فليس لدينا سبب لشهر الحرب، وليس لنا ما نكسبه من الحرب، والحرب إذا ما شهرناها لم نحصد سوى حقد جارنا المغلوب وإثارة رغبته في الانتقام منا، ولا يكون الدور الذي نمثله عند شهر الحرب عن خوف من فرنسة أو عن خدمة لإنكلترة إلا كالدور الذي يمثله الأمير الهندي التابع لإنكلترة والمضطر إلى القتال بجانبها.
ولهلم (صارخا محتدما) :
ليست المسألة مسألة تابع أو خائف!
ويخيل إلى بسمارك أنه يسمع بذلك صوت أوغوستا التي يعلم أنها ذات عواطف مضادة لروسية معاكسة لأمها الروسية وشعورا بمحاكاتها له في نفوره من والدته، ثم إن أوغوستا تبدو له «امرأة تعنى بما هو أجنبي أكثر من عنايتها بما يقع تحت نظرها عادة»، وكان قد أنشئ في كوبلنز - حيث يعيش ولهلم وأغوستا - بلاط منافس لبلاط سانسوسي.
وتلك هي المرة الثانية التي يتقابل فيها ولهلم وبسمارك كخصمين، فمنذ أربع سنين أراد ولهلم شهر الحرب على النمسة فأراد بسمارك الذهاب إلى أولموتز، فعد ولهلهم تعيين خصمه بسمارك سفيرا في فرانكفورت حينئذ علامة خضوع للنمسة، واليوم يخشى هذا الأمير خزيا أمام روسية، وكيف لا يظهر بسمارك له جبانا؟ ومهما يكن الأمر فإنه يكتب إلى مانتوفل قوله مغاضبا: «إن نشاط هذا الرجل السياسي هو كنشاط تلميذ في إحدى الكليات.»
والحق أن تلك هي المرة الأولى التي يعمل فيها بسمارك على مقياس واسع في الحقل السياسي، وهو يصبح من أقطاب السياسة بأوروبة في أثناء حرب القرم، ومما كان يرى أن ما تصنعه بروسية يحول إلى ما فيه منفعة النمسة في نهاية الأمر؛ فلذلك لم يرد «أن يقرن بارجتنا الأنيقة الصالحة للملاحة بمدرعة النمسة النخرة. ومن شأن الأزمات الكبرى إعداد العاصفة التي تنمو بروسية بها، والتي يمكننا في أثنائها أن نحول الأمور إلى ما فيه نفعنا غير خائفين وغير ناظرين إلى أي داع آخر على ما يحتمل. وكيفما كان الحال أرى أن الأمور كلما استفحلت زادت قيمة عوننا.» وعلى فينة أن تعترف بسلطان بروسية على ألمانية في مقابل شد بروسية لأزرها! ولم يعرف الملك الضعيف ماذا يفعل في ذلك الحين، واليوم يعقد حلفا دفاعيا هجوميا مع النمسة، وفي الغد يترك أنصار هذه السياسة ويبصر انصراف أخيه ساخطا للمرة الثانية، وهو يعرف قول أهل برلين عنه: «إنه ينام مع فرنسة وإنكلترة في سانسوسي على فراش واحد ليلا ليصحو مع روسية صباحا .»
وبسمارك في العام القادم ينفصل عن البلاط وعن الملك انفصالا أوسع من ذلك، ويقصد باريس بلا إذن، ويعود من باريس ولا يرى ما يمنع من السير مع نابليون الثالث عند ملاءمة الأحوال، ويثير هذا الرأي ذعرا في سانسوسي، ويكتب غرلاخ كتب تقوى ضد «الاقتران بالشيطان»، ويبدي الملك جفاء، ويوجب ذهاب آخر إلى باريس تأييدا لبسمارك في سياسته.
Неизвестная страница