Берр аль-Валидейн 2
بر الوالدين ٢
Издатель
مطبعة سفير
Место издания
الرياض
Жанры
بر الوالدين
مفهوم، وفضائل، وآداب، وأحكام
في ضوء الكتاب والسنة
تأليف الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
Неизвестная страница
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في «بر الوالدين» بيَّنت فيها: مفهوم بر الوالدين، لغة واصطلاحًا، ومفهوم عقوق الوالدين لغة واصطلاحًا، ثم ذكرت الأدلة من الكتاب والسنة الدالة على وجوب بر الوالدين، وتحريم عقوقهما، ثم ذكرت أنواع البر التي يوصل بها الوالدان بعد موتهما.
1 / 3
والله تعالى أسأل أن يجعل هذا العمل مباركًا، نافعًا، خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كلَّ من انتهى إليه؛ فإنه تعالى خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف: أبو عبد الرحمن
حرر بعد عصر يوم الخميس الموافق
٢/ ٥/١٤٢٦هـ بالرياض
1 / 4
أولًا: مفهوم بر الوالدين لغة واصطلاحًا:
لغة: البرُّ: الخير والفضل، يقال: بَرَّ الرجلُ، يَبَرُّ بِرًّا، وِزان: علِمَ يعلم علمًا، فهو بَرٌّ، وبَارٌّ: أي صادقٌ أو تقيٌّ، وهو خلاف الفاجر، وجمع البر: أبرار، وجمع البار: بررة، مثل: كافرٌ، وكفرةٌ. وبَرِرْتُ والدي، أبرَّرُهُ، بِرًّا: أحسنت الطاعة إليه، ورفقت به، وتحرَّيتُ محابّه، وتوقَّيتُ مكارهه (١).
والبرُّ: ضد العقوق (٢).
قال ابن الأثير ﵀: «البِرُّ بالكسر الإحسان، ومنه الحديث في بر الوالدين: وهو في حقهما وحق الأقربين من الأهل ضد العقوق: وهو الإساءة إليهم والتضييع لحقهم» (٣). والبر: اسم
_________
(١) المصباح المنير، لأحمد بن محمد الفيومي (١/ ٤٣).
(٢) مختار الصحاح، للرازي (ص ١٩).
(٣) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (١/ ١١٦).
1 / 5
جامع للخير وأصله الطاعة (١).
اصطلاحًا: بر الوالدين: الإحسان إليهما (٢) [بالقلب، والقول، والفعل تقربًا لله تعالى].
ثانيًا: مفهوم عقوق الوالدين لغة واصطلاحًا:
لغة: عَقَّ، يَعُقُّ عقوقًا: العقُّ: الشقُّ، يقال: عقَّ ثوبه، كما يقال: شقَّ ثوبه، ومنه يقال: عقَّ الولدُ أباه، [وعقَّ أمه]، من باب قَعَد: إذا عصاه وترك الإحسان إليه، فهو عاقٌّ، والجمع: عققةٌ (٣).
ويقال: عقَّ والده يعُقُّ، عقوقًا ومعقة على وزن مشقة، وجمع عاق: عققة، ككافر وكفرة (٤).
قال ابن الأثير ﵀: «يقال: عق والده يعقُّه عقوقًا، فهو عاقٌّ: إذا آذاه وعصاه، وخرج عليه، وهو
_________
(١) معجم لغة الفقهاء، لمحمد روّاس (ص ٨٤).
(٢) المرجع السابق (ص ٨٥).
(٣) المصباح المنير (٢/ ٤٢٢).
(٤) مختار الصحاح (ص ١٨٧).
1 / 6
ضِدُّ البِرِّ به، وأصله من العقِّ: الشقِّ والقطع» (١).
ويقال: عق أباه، وعقوقًا، ومعقةً: استخف به وعصاه وترك الإحسان إليه (٢).
مفهوم عقوق الوالدين اصطلاحًا: هو إغضابهما بترك الإحسان إليهما (٣).
وقيل: عقوق الوالدين: كل فعل يتأذَّى به الوالدان تأذيًا ليس بالهيِّن، مع كونه ليس من الأفعال الواجبة (٤).
وقيل: عقوق الوالدين: ما يتأذَّى به الوالدان من ولدهما: من قولٍ، أو فعلٍ، إلا في شرك أو معصية ما لم يتعنت الوالدان (٥).
_________
(١) النهاية في غريب الحديث (٣/ ٢٧٧)، وانظر لغة الفقهاء (ص ٢٨٧).
(٢) القاموس الفقهي (ص ٢٥٨).
(٣) لغة الفقهاء (ص ٢٨٧).
(٤) القاموس الفقهي (ص ٢٥٨).
(٥) المرجع السابق (ص ٢٥٨).
1 / 7
والأقرب أن يقال: عقوق الوالدين: كل قول أو فعل، أو تركٍ يتأذَّى به الوالدان.
ثالثًا: بر الوالدين من أهم المهمات، وأعظم القربات، وأجلِّ الطاعات، وأوجب الواجبات، وعقوقهما من أكبر الكبائر، وأقبح الجرائم، وأبشع المهلكات؛ للأدلة من الكتاب والسنة الصحيحة الصريحة على النحو الآتي:
١ - قرن الله حق الوالدين والإحسان إليهما بعبادته ﷾، كما قرن شكرهما بشكره؛ لأنه الخالق وحده، وقد جعل الوالدين السبب الظاهر في وجود الولد، وهذا يدل على شدة تأكد حقهما والإحسان إليهما: قولًا، وفعلًا؛ لأن لهما من المحبة للولد والإحسان إليه في حال صغره وضعفه ما يقتضي تأكد الحق ووجوب البر، وتحريم أدنى مراتب الأذى: وهو التضجر أو التأفف من خدمتهما،
1 / 8
وزجرهما بالكلمة العالية، أو نفض اليد عليهما، وقد جاء حق الوالدين مقرونًا بعبادة الله ﷿ في آيات كثيرة (١)، منها قوله ﷿: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ (٢). وقال ﷾: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ (٣). وقال ﷿: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ (٤). وقال ﷿: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ (٥).
٢ - بر الوالدين أفضل من الجهاد، وأعلا مراتب الجهاد في سبيل الله تعالى؛ لحديث عبد الله بن
_________
(١) انظر: تفسير ابن كثير (٣/ ٣٥)، وفتح القدير للشوكاني (٣/ ٢١٨)، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي (٤/ ٢٧٠)، وأضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي (٣/ ٤٩٧).
(٢) سورة النساء، الآية: ٣٦.
(٣) سورة الأنعام، الآية: ١٥١.
(٤) سورة الإسراء، الآية: ٢٣.
(٥) سورة لقمان، الآية: ١٤.
1 / 9
عمر ﵄ قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ يستأذنه في الجهاد فقال: «أحيٌّ والداك؟» قال: نعم، قال: «ففيهما فجاهد». وفي لفظ لمسلم: أقبل رجل إلى نبي الله ﷺ فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله، قال: «فهل من والديك أحدٌ حيٌّ؟» قال: نعم، بل كلاهما، قال: «تبتغي الأجر من الله؟» قال: نعم، قال: «فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما» (١).
قال ابن حجر ﵀: «أي إن كان لك أبوان فبالغ جهدك في برهما والإحسان إليهما؛ فإن ذلك يقوم مقام الجهاد» (٢)؛ لأن المراد بالجهاد في الوالدين: بذل الجهد، والوسع، والطاقة في برهما؛
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الجهاد، باب الجهاد بإذن الأبوين، برقم ٣٠٠٤، وكتاب الأدب، باب: لا يجاهد إلا بإذن الأبوين، برقم ٥٩٧٢، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب بر الوالدين وأنهما أحق به، برقم ٢٥٤٩.
(٢) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (١٠/ ٤٠٣).
1 / 10
ولأهمية ذلك بين العلماء أنه لا يجوز الخروج للجهاد إلا بإذن الأبوين بشرط أن يكونا مسلمين؛ لأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية، فإن تعين الجهاد وكان فرض عين فلا إذن؛ لأن الجهاد أصبح فرضًا على الجميع: إما باستنفار الإمام، أو هجوم العدوِّ على البلاد، أو حضور الصف (١).
٣ - بر الوالدين: أفضل الأعمال، وأقرب الأعمال إلى الجنة، وأحب الأعمال إلى الله تعالى بعد الصلاة، التي هي أعظم دعائم الإسلام؛ لأن النبي ﷺ أخبر بذلك ورتبه بـ (ثم) التي تعطي الترتيب والمهلة (٢)، فعن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: سألتُ رسول الله ﷺ أيُّ العَمَلِ أفضل؟ قال:
_________
(١) وانظر: شرح مشكل الآثار للطحاوي (٥/ ٥٦٣)، ومعالم السنن للخطابي (٣/ ٣٧٨)، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم للقرطبي (٦/ ٥٠٩).
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١٠/ ٢٤٣).
1 / 11
«الصلاةُ لوقتها» قال: قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: «ثم بر الوالدين»، قال: قلت: ثم أيٌّ؟ قال: «الجهاد في سبيل الله» (١). حدثني بهن رسول الله ﷺ، ولو استزدته لزادني. وفي لفظ: أيُّ الأعمال أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها ...» الحديث (٢). وفي لفظ: أيُّ الأعمال أقرب إلى الجنة؟ قال: «الصلاة على مواقيتها ...» (٣).
٤ - بر الوالدين يرضي الرب ﷿، فعن عبد الله بن عمر ﵄، عن النبي ﷺ قال: «رضى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد» (٤).
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الصلاة، باب فضل الصلاة لوقتها برقم ٥٢٧، ٢٧٨٠ و٧٥٣٤، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال، برقم ٨٥.
(٢) البخاري، برقم ٥٢٧، ٥٩٧٠، ومسلم، برقم ١٣٩ (٨٥).
(٣) مسلم، برقم ١٣٨ (٨٥).
(٤) الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء من الفضل في رضى الوالدين (٤/ ٣١٠) برقم ١٨٩٩، والحاكم وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي (٤/ ١٥٢)، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (٢/ ٢٩) برقم ٥١٦، وفي صحيح الأدب المفرد (ص ٣٣) برقم ٢.
1 / 12
٥ - بر الوالدين يدخل الجنة، فعن أبي الدرداء ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه» (١). وعن معاوية بن جاهمة ﵄ أن جاهمة جاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله! أردت أن أغزوَ وقد جئت أستشيرك فقال ﷺ: «هل لك من أمٍّ؟» قال: نعم. قال: «فالزمها؛ فإن الجنة تحت (٢) رجليها» (٣). ولفظ الطبراني: «ألك
_________
(١) الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء من الفضل في رضى الوالدين، وقال: هذا حديث صحيح (٤/ ٣١١) برقم ١٩٠٠، وقال عبد القادر الأرنؤوط وهو كما قال. انظر: تحقيقه لجامع الأصول (١/ ٤٠٤).
(٢) أي نصيبك من الجنة لا يصل إليك إلا برضاها، وكأنه لها وهي قاعدة عليه فلا يصل إليك إلا من جهتها. [انظر: حاشية السندي على سنن النسائي (٦/ ١١)].
(٣) النسائي، كتاب الجهاد، باب الرخصة في التخلف لمن له والدة (٦/ ١١)، برقم ٣١٠٤، وابن ماجه، كتاب الجهاد، باب الرجل يغزو له أبوان، برقم ٢٧٨١، وأحمد في المسند (٣/ ٤٢٩)، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (٤/ ١٥١)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٨/ ١٣٨): «رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات»، وحسنه عبد القادر الأرنؤوط في جامع الأصول (١/ ٤٠٣)، وقال الألباني في صحيح سنن النسائي (٢/ ٣٧٢): «حسن صحيح».
1 / 13
والدان؟» قلت: نعم. قال: «الزمهما؛ فإن الجنة تحت أرجُلِهما» (١).
٦ - دعاء رسول الله ﷺ على من لم يبر والديه عند الكبر، فعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «رَغِمَ أنْفُهُ (٢)، ثم رَغم أنفه، ثم رغم أنفه» قيل: مَنْ يا رسول الله؟ قال: «من أدرك والديه عند الكبر: أحَدَهُما، أو كليهما ثم لم يدخل
_________
(١) الطبراني في الكبير برقم ٢٢٠٢، (٢/ ١٨٩)، قال المنذري في الترغيب (٣/ ٢٨٥): رواه الطبراني بإسناد جيد، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (٢/ ٦٥٠): «حسن صحيح».
(٢) رغم أنفه: أي لصق أنفه بالرغام، وهو التراب المختلط برمل. شرح النووي على صحيح مسلم (١٦/ ٣٤٤).
1 / 14
الجنة» (١). قال الإمام القرطبي ﵀: «وهذا دعاء مؤكد على من قصَّر في بر أبويه، ويحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون معناه: صرعه الله لأنفه فأهلكه، وهذا إنما يكون في حق من لم يقم بما يجب عليه من برهما.
وثانيهما: أن يكون معناه: أذله الله؛ لأن من ألصق أنفه - الذي هو أشرف أعضاء الوجه - بالتراب - الذي هو موطئ الأقدام وأخس الأشياء - فقد انتهى من الذُّل إلى الغاية القصوى، وهذا يصلح أن يدعى به على من فرَّط في متأكدات المندوبات، ويصلح لمن فرط في الواجبات، وهو الظاهر، وتخصيصه عند الكبر بالذكر - وإن كان
_________
(١) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة، باب رغم أنف من أدرك أبويه أو أحدهما عند الكبر فلم يدخل الجنة، (٤/ ١٩٧٨)، برقم ٢٥٥١.
1 / 15
برهما واجبًا على كل حال - إنما كان ذلك لشدة حاجتهما إليه؛ ولضعفهما عن القيام بكثير من مصالحهما، فيبادر الولد اغتنام فرصة برهما؛ لئلا تفوته بموتهما فيندم على ذلك» (١).
وقد خص الله حالة الكبر للوالدين بمزيد من الأمر بالإحسان، والبر، واللطف، والشفقة والرحمة؛ لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى بره؛ لتغير الحال عليهما بالضعف، والكبر، فألزم ﷾ في هذه الحالة من مراعاة أحوالهما أكثر مما ألزمه من قبل؛ لأنهما في هذه الحالة قد صارا كلًّا عليه، فيحتاجان أن يلي منهما في الكبر ما كان يحتاج في صغره أن يليا منه؛ ولهذا خص هذه الحالة بالذكر، وأيضًا فطول المكث للمرء يوجب الاستثقال للمرء عادة، ويحصل الملل، ويكثر الضجر، فيظهر غضبه
_________
(١) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (٦/ ٥١٨).
1 / 16
على أبويه، وتنتفخ لهما أوداجه، ويستطيل عليهما لقلة دينه وضعف بصيرته، وأقل المكروه ما يظهر بتنفسه المتردد من الضجر، وقد أمر الله أن يقابلهما بالقول الموصوف بالكرامة وهو السالم عن كل عيب (١)، فقال ﷿: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ (٢). وأمره الله ﷿ أن يتواضع لهما ويخفض لهما جناح الذل من الرحمة احتسابًا للأجر، لا للخوف منهما، وأمره
﷿ أن يدعو لهما بالرحمة: أحياءً، وأمواتًا،
جزاءً على تربيتهم وإحسانهم، فقال ﷿:
﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ (٣).
_________
(١) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١٠/ ٢٤٦).
(٢) سورة الإسراء، الآية: ٢٣.
(٣) سورة الإسراء، الآية: ٢٤.
1 / 17
٧ - بيَّن رسول الله ﷺ بما يجزي الولد والده، فعن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يجزي ولدٌ والدًا إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه» (١).
وعن أبي بردة أنه شهد ابن عمر ﵄، ورجل يماني يطوف بالبيت، حمل أمه وراء ظهره يقول:
إني لها بعيرها المذلل ... إن أُذعرت ركابها لم أذعر
ثم قال: يا ابن عمر، أتُراني جزيتها؟ قال: «لا، ولا بزفرة واحدة» (٢).
٨ - بر الوالدين أقرب الأعمال إلى الله ﷿؛ لحديث ابن عباس ﵄، أنه أتاه رجلٌ
_________
(١) مسلم، كتاب العتق، باب فضل عتق الوالد (٢/ ١١٤٨)، برقم ١٥١٠.
(٢) الأدب المفرد للبخاري (١/ ٦٢) برقم ١١، وقال الألباني في صحيح الأدب المفرد (١/ ٣٦): «صحيح الإسناد».
1 / 18
فقال: إني خطبت امرأة فأبت أن تنْكِحَني وخطبها غيري فأحبت أن تَنكِحَهُ، فَغِرْتُ عليها فقتلتُها، فهل لي من توبةٍ؟ قال: أُمُّك حيَّةٌ؟ قال: لا، قال: تبْ إلى الله ﷿، وتقرَّب إليه ما استطعت. [قال عطاء بن يسار] فذهبت فسألت ابن عباس: لِمَ سألتَهُ عن حياة أمه؟ فقال: «إني لا أعلم عملًا أقرب إلى الله تعالى من بِرِّ الوالدة» (١).
٩ - لين الكلام للوالدين يدخل الجنة؛ لقول ابن عمر ﵄ لرجل أصاب ذنوبًا، وذكرها لابن عمر، فقال له ابن عمر: «ليست هذه من الكبائر»، ثم قال ابن عمر ﵄ عن الكبائر: «هن تسع: الإشراك بالله، وقتل نسمة، والفرار من الزحف، وقذف المحصنة، وأكل الربا،
_________
(١) البخاري في الأدب المفرد، برقم ٤، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (١/ ٣٤)، وفي الأحاديث الصحيحة برقم ٢٧٩٩.
1 / 19
وأكل مال اليتيم، وإلحاد في المسجد، والذي يستسخر (١)، وبكاء الوالدين من العقوق». ثم قال ابن عمر: «أحي والدك؟» قال الرجل: عندي أمي، قال ابن عمر: «فوالله لو ألنت لها الكلام، وأطعمتها الطعام، لتدخلنَّ الجنة ما اجتنبت الكبائر» (٢).
١٠ - من بر الوالدين إدخال السرور عليهما؛ لحديث عبد الله بن عمرو ﵄ قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ يبايعه على الهجرة، وترك أبويه يبكيان، فقال: «ارجع إليهما وأضحكهما كما أبكيتهما» (٣).
_________
(١) الاستسخار: من السخرية.
(٢) الأدب المفرد، للبخاري برقم ٨، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (١/ ٣٥)، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة ٢٨٩٨.
(٣) أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب في الرجل يغزو وأبواه كارهان، برقم ٢٥٢٨، والنسائي، كتاب البيعة، باب البيعة على الهجرة، برقم ٤١٧٤، وابن ماجه، كتاب الجهاد، باب الرجل يغزو وله أبوان، برقم ٢٧٨٢، والبخاري في الأدب المفرد برقم ١٣، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (١/ ٣٧)، وفي إرواء الغليل برقم ١١٩٩، وفي صحيح النسائي (٣/ ١٢٢) وغير ذلك.
1 / 20
١١ - من بر الوالدين والإحسان إليهما أن لا يتعرض لسبهما، ولا يعقهما، ولا يكون سببًا في شتمهما، فعن عبد الله بن عمرو ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: «من الكبائر شتم الرجل والديه» قالوا: يا رسول الله، هل يشتم الرجل والديه؟! قال: «نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه» (١). ولفظ أبي داود: «إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه» قيل: يا رسول الله! كيف يلعن الرجل والديه؟ قال: «يلعن أبا الرجل فيلعن أباه، ويلعن أمه فيلعن أمه».
_________
(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الأدب، باب لا يسب الرجل والديه (٧/ ٩٢)، برقم ٥٩٧٣، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها (١/ ٩٢)، برقم ٩٠، وأبو داود، كتاب الأدب، باب بر الوالدين، برقم ٥١٤١، ولفظ البخاري: «إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه» الحديث.
1 / 21