بنعله وكب تمثال العذراء على وجهه!
قال قسطنطين بطريق أبيدوس: بعض هذا أيها الأمير؛ فوالله لا ينالون منا منالا وفينا عرق ينبض؛ فإلا يكن دفاعنا عن أرضنا وديارنا وحرياتنا، فليكن دفاعنا عن الصليب وتمثال العذراء.
قال ميناس القائد ساخرا: فهلا دافع قسطنطين عن عرضه؛ إذ سبيت بنتاه وسيقتا تحت عينيه إلى الأسر فلم يستطع ردهما، ولم يزل يبكي فقدهما بكاء يعقوب،
7
لا يكاد يخف لأخذ الثأر؟
قال قسطنطين مغضبا: ألي يقال هذا؟ وما رأيت بطريقا من البطارقة قد حمل بعض ما حملت من عبء الدفاع عن ذلك الثغر؛ فإن كانت بنتاي قد سبيتا واحدة بعد واحدة فما قصرت في الدفاع، ولا عجزت عن الثأر؛ وما طرق العدو أبيدوس مرة إلا خلف نصف جنده على ثراها صرعى، أو أسارى مقرنين في الأصفاد؛ ووالله ما يخدم أهلي - منذ بعيد - إلا الأسارى من سادة العرب!
وكأنما أجد هذا الحديث ذكرى أليمة لقسطنطين، ومس عاطفته حديث بنتيه، فغلبه مدمعه ...
وكان قسطنطين هذا بطريقا شيخا، قد نيف على السبعين، وكان له - في تلك الدولة - سلطان وجاه، قبل أن يتغلب على عرشها هؤلاء المتغلبون من السوقة والطغام، وكل صاحب أيد وكيد، من قيصر كان غناما، وآخر كان جابيا، وثالث كان جنديا في المؤخرة فبرز إلى الطليعة، ثم ترقى إلى القيادة، ووثب على العرش،
8
فلما اضطرب حال القياصرة وضعفت مهابتهم في نفوس الخاصة والعامة، وآذنت الدولة بهذا الانحلال الخطير؛ اعتزل البلاط، وعزف عن السياسة وأوى إلى هذه البليدة على الشاطيء الأسيوي من خليج القسطنطينية، فحشد فيها أهله وولده وقبيله، واتخذها دار إقامة بعيدا عن مكايد الساسة ومؤامرات القواد وتقلبات الحوادث ...
Неизвестная страница