وقد أشار «ڤان دورن» إلى الحكم المستعارة من هذا القبيل، فذكر منها بعض الشواهد على منهج فرنكلين في تحويل الحكم المستعارة إلى أسلوبه وتصحيحها بذلك وفاقا لتفكيره وتعبيره، ومنها الحكمة الأيقوسية التي تقول: «الخزنة السمان عمال عجاف» فإنه يقتبس معناها فيقول «مطبخ سمين وصية هزيلة»، ومنها الحكمة الشائعة التي تقول: «ثلاثة يحسنون النصيحة إذا غاب منهم اثنان»، فإنه يتعهدها بما عنده من فرط الأناة والحذر فيقول: «ثلاثة يحفظون السر إذا غاب منهم اثنان».
وقس على ذلك سائر الحكم من هذا القبيل وهي ليست بالكثيرة، فقد حرص في كل ما أثبته من نصائح التقويم أن يتقبلها قراؤه ويشعروا بمنفعتها وموافقتها لأحوالهم التي هي في الوقت نفسه أحواله من أكثر الوجوه، وقد كان الأغلب الأعم من وصاياه يدور على فضيلة القصد والحزم، وهما ألزم الصفات لطلاب الرزق من العصاميين والغرباء الذين لم يتأصلوا بعد في البلاد، ولعله لم يكن في معيشته قدوة في القصد والحرص على المال، أو لعله أصاب حين قال: إن القصد الذي حرمه قد تعوضه من تدبير امرأته وربة بيته، ولكنه كتب ما يود أن يتبعه ويود كل قارئ مثله لو وفق لاتباعه، فكان لسانا ينطق بما يجيش في كل ضمير.
قال الحكيم اللاهوتي هوثورن
Hawthorne
الذي خطب في ذكراه (سنة 1842):
أشك في أن الكشوف الفلسفية التي كشفها فرنكلين على جلالتها، أو الخدمات السياسية التي قام بها على اتساعها، كانت تكسبه كل هذا الصيت البعيد الذي أحاط باسمه لولا تقويم ريتشارد المسكين، فهو أجدى من كل عمل سواه في إذاعة ذكره بين جمهرة الناس، فإنه بكتابته تلك الحكم التي كانت تحسب من كلام ريتشارد المسكين، قد أصبح المستشار الناصح الأمين لكل بيت في أمريكا على التقريب، ومن ثم كان أعظم أعماله وداعة وتواضعا أعظمها عائدة عليه بالصيت البعيد.
ويشتمل التقويم كما تقدم على نمط آخر من النصائح المعيشية التي تشتمل عليها التقاويم عادة، ولكنها مطولة بعض التطويل يشغل بها مكان المقدمة ويتخللها بالملح واللواذع المضحكة على أسلوبه في الحكم الصغار، ومن قبيل هذه النصائح المطولة مقاله عن «السبيل إلى الثروة» الذي أضافه إلى ترجمته في طبعاتها الأخيرة، وقد احتال فيه على إعادة بعض الحكم القصار بلسان الرواية من باب المراجعة والتذكير.
قال في مقدمة التقويم لسنة 1758 وقد سماه في هذه الفترة تقويم ريتشارد المسكين «في التحسين!»:
أيها القارئ المهذب
سمعت أنه ما من شيء يدخل السرور على قلب المؤلف كأن يرى المؤلفين العلماء يعنون باقتباس كلامه، ولكنه سرور قلما استمتعت به؛ لأنني وإن كنت - بغير ادعاء أو غرور - قد أصبحت من مؤلفي التقاويم المعدودين منذ ربع قرن، لا أجد إخواني في هذه الصناعة - ولا أدري لماذا - يجودون علي بالثناء والتنويه، وما من مؤلف آخر عني بذكري في بعض كلامه، فلولا ما أصيبه من الخير من كتابتي لكان نقص الثناء خليقا أن يثبطني ويفت في عضدي.
Неизвестная страница