ولهذا كان يشجع إصدار عملة الورق ويقول: إنها رمز للعمل وإن الأغنياء يعارضونها لأنهم يملكون الذهب والفضة، ويحبون أن يقيسوا الثروة بمقياس ما يملكون.
ولا يعادي فرنكلين صناعات الترف؛ لأنها على اعتقاده حافز للهمم، وسبيل إلى دوران الثروة بين العاملين والمترفين، ورب شلن يخرج من يد أحمق يذهب إلى يد عاقل أحق منه باقتنائه، فيستفاد منه في الحالتين، وأفضل من الصناعة في قياس الفائدة على العمل أن تقوم الثروة في أساسها على المحصولات الزراعية والعمال الزراعيين.
وكان إيمانه بحق الحكم يقوم على قاعدة واحدة وهي التي نسميها اليوم قاعدة تقرير المصير. فإذا نفرت الأمة من حكومة وطالبت بحكومة غيرها، فلا حاجة لها إلى سند غير هذا الطلب، ومن ثم سخريته بدعوى الدولة البريطانية أنها صاحبة الحق الذي لا ينازع في حكم الولايات المتحدة؛ لأن الأكثرين من أبنائها رعايا بريطانيون ينتقلون إلى تلك الولايات، ولأن الدولة البريطانية تولت حماية الولايات من عدوان فرنسا المجاورة لها، فكتب رسالته الساخرة بلسان ملك بروسيا وجعل ذلك الملك يدعي مثل ذلك الحق على الجزر البريطانية؛ لأن سكانها رعايا جرمانيون انتقلوا إليه وحكمهم فيها أمراء من الجرمان، وتولت بروسيا حمايتهم بقمع فرنسا ومحاربتها الحين بعد الحين!
وقد كانت مبادئه الدستورية والقانونية تتسم بسمة يستطيع القارئ أن يقدرها بغير اطلاع عليها؛ لأنها سمة الاعتدال والسماحة واجتناب الشطط في الأحكام وإلقاء الفروض والتكاليف على عواتق الناس، فكان ينكر العقوبة التي تجاوز قدر الجريمة في الضرر أو قدرها في الضلالة وسوء الخليقة، وكان يؤثر في الدستور قلة القيود والموازنات، ولكنه لم يعلن مخالفته للمبادئ التي عارضها؛ لأنه وازن بين دستور يصدر بالإجماع، ودستور يؤيده فريق ويخالفه فريق ولو في سبيل التصحيح والتنقيح، فرجع عنده أن الإجماع على الدستور أجدى وأثبت لدعائمه من إعلان المخالفة له في خطواته الأولى على الخصوص.
وإذا كان هذا رأيه في حسم الخلاف على الرأي، فحسم الخلاف الذي يريق الدماء أحق منه بالجهد والحيلة؛ لأنه كان يسمي الحرب لصوصية وغيلة، وهكذا كان برنامجه الداخلي في سياسة الولايات، وعلى هذا البرنامج استقامت أعماله في كل سياسة داخلية أو خارجية ترتبط بالأمم الأخرى، ومن عجائب دقته في تقدير الأمور بأحوالها وأزمانها أنه تنبأ عن عصبة الأمم، وأن العالم ربما شهد بعد مائة وخمسين أو مائتي سنة هيئة يجتمع فيها المندوبون عن دول أوروبا جميعا لفض المشكلات وتوطيد السلام، وكان باينز
Baynes ، وروملي
Romilly
في شبابهما قد زاراه سنة 1783 وتحدثوا في مساوئ الحروب العالمية فقال فرنكلين: إنه يظن أن إقناع الملوك بإرسال مندوبيهم إلى مكان واحد لا يزال عسيرا ، وإنهم مع الصبر قد يتفق بعضهم على منع العدوان، ويرى الآخرون نفع هذا الاتفاق فينضوون إلى الهيئة شيئا فشيئا، ولا يبعد أن تضمهم الهيئة الواحدة أجمعين بعد مائة وخمسين سنة أو مائتين.
1
وله غير هذه الآراء في مذاهب السياسة والاجتماع خطرات متفرقة بين الرسائل والأحاديث. أما أكثرها فقد ورد مشروحا أو مقتضبا في رسالته عن العملة الورقية ورسالته عن زيادة السكان وتعمير البلاد:
Неизвестная страница