Детальный план уроков по историческим факторам в строительстве арабской нации, какова она есть сегодня
منهاج مفصل لدروس في العوامل التاريخية في بناء الأمة العربية على ما هي عليه اليوم
Жанры
هذه - في إيجاز - صورة العالم العثماني في العقود الأخيرة من القرن الثامن عشر، ماذا تصنع السلطنة؟
من العثمانيين إذ ذاك (كما هو الحال عند سائر الأمم في كل زمان) من قرر أن الأنظمة التي حققت للعثمانيين العزة والرفعة بين الأمم في زمن مضى كفيلة بأن تحقق لهم العزة والرفعة من جديد إن هم عادوا إليها مطهرة خالصة من شوائب الفساد وسوء التطبيق. والواقع أني لا أعرف زمانا حدث فيه عودة الناس إلى الأنظمة قبل أن يعتورها الفساد حتى ولو ادعى زعماؤهم أنهم يفعلون ذلك. كان ذلك حينما كان التغيير يتخذ مظهر العودة للقديم الطيب على اعتبار أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. واستمر الحال كذلك إلى أن تبدلت الأوضاع فاعتبرت المحافظة رذيلة والتغيير فضيلة، وفي الحالتين الأولى والثانية غفل الناس عن أنهم يهتمون بالعرض ويهملون الجوهر.
ولم تكن المسألة كما واجهت سليم الثالث ورجاله مسألة أيهما أصلح: هل نجدد تماما أو نخلص الحاضر من شوائبه؛ الأمر الذي واجهه كان أخطر: ما وسيلة إنقاذ البلاد من هوة الفوضى التي تردت فيها؟ الوسيلة الوحيدة: الحكومة القوية الفعالة. وماذا نتخذ لتحقيق ذلك؟ أن نعطيها أدوات السلطان الصالحة: الجند في البر والبحر. فلنصلح الجند، وإصلاح الجند هو عقدة العقد في تاريخ الدول الإسلامية.
والجند عند العثمانيين يتركب من عنصرين: أحدهما نستطيع أن نسميه العنصر النظامي أو الثابت والآخر العنصر الإقطاعي؛ فأما العنصر النظامي فكان يتركب من فتيان ورجال نشئوا أرقاء ودربوا منذ حداثتهم على شئون الحرب وانقطعوا لها، وتجري عليهم الدولة أرزاقهم. ومن أشهر هؤلاء العسكر النظاميين ألينتيشري أو الانكشارية. وأما العنصر الإقطاعي فيتركب من رجال يحوزون الأرض التي يزرعون مقابل أداء الخدمة العسكرية عندما يدعون لها في أوقات الحروب. وقد اختل أمر العنصرين: فصارت القاعدة أن يقيد في صفوف العسكر النظامي الأحرار، كما كثر في صفوفهم الدخلاء الذين لا يباشرون حربا. وقد يكون منهم الباعة أو الفطاطرية أو القهوجية وما إلى ذلك، وتضخمت الأعداد وناءت الدولة بمرتباتهم.
ولما اختل أمر الجباية كان يعيث الجند فسادا ونهبا ليحصل على قوته. ويقال إن مبدأ قيد غير المحاربين في سجل الجند كان عندما أحب أحد السلاطين أن يكافئ المهرجين الذين اشتركوا في مهرجانات ختان ابنه فقيدهم في سجلات الجند. وأما العنصر الإقطاعي فقد اختل عندما صارت الإقطاعات تمنح لا لأداء الخدمة العسكرية ولكن لبواعث أخرى كالإحسان أو الحظوة أو الرضا أو ما إلى ذلك، ففقدت الدولة بهذا خدمة عسكرية كانت تؤدى بلا نفقة؛ فإن الجندي الإقطاعي كان يحضر معه حصانه وسلاحه.
ولم يكن من الممكن عمليا أن يعود سليم الثالث لجمع جيشه النظامي، كما كان يفعل أجداده، من الأرقاء، كما لم يكن من الممكن عمليا أن يعود بالإقطاعيين إلى قواعد الإقطاع القديمة. وكانت الخطة التي اختارها هي أن يؤلف فرقا جديدة مدربة تدريبا حديثا متصلة الصلة بالقوات التقليدية، وأن يدعوها «النظام الجديد»، وكان رجاءه أن ينمو النظام الجديد إلى أن يكون هو النظام الوحيد، وأن تجد فيه الدولة أداة الحكم القوي والدفاع الناجح، وسهل عليه أن يستخدم مدربين أوروبيين في المدفعية وفي دور بناء السفن؛ إذ إن الأسطول أيضا كان موضع اهتمامه.
دل هذا على أن السلطان سليما ولى وجهه في أمور تدريب القوات الحربية نحو الأنظمة العسكرية الغربية، ودل هذا على استعداد لإنشاء صلات بالغرب، وعلى هذا نجده ينشئ تمثيلا سياسيا لبلاده في العواصم، لندرة وباريس وفينا، بعد أن كانت الدولة العثمانية لا توفد للممالك الأوروبية إلا سفارات لمهمات خاصة، يقضيها السفير ويعود لبلاده، وهذا بينما كانت الدول الأوروبية ممثلة دائما ببعثات سياسية دائمة، فاتجاه سليم نحو إنشاء تلك الصلات كان اتجاها جديدا دل على إدخال شيء من التعديل على وجهة نظر كانت تقضي باعتبار الصلات بغير دار الإسلام شرا لا بد منه أحيانا.
ولم يصف الجو للسلطان سليم للمضي في سياسة الإصلاح، ندرك هذا إذا تذكرنا أن ما بقي له من سني الحكم بعد غزو نابليون لمصر في 1798 عاصر جو الحركة العنيفة التي بعثتها الثورة الفرنسية وقبض نابليون على أزمة الحكم في بلاده، وهذه الحركة امتدت آثارها السياسية لسياسة الباب العالي ولأحوال ولاياته؛ فأشاعت جوا مضطربا في القسطنطينية، وانتهز الفرصة أعداء التجديد فكانت ثورات الجند القديم وطلاب المعاهد الدينية ومن انضم إليهم في سنتي 1806 و1807؛ وخلع السلطان سليم في 1807 وولى الثائرون مكانه ابن عمه مصطفى الرابع. وتحرك أنصار سليم في سنة 1808 لإعادته للعرش ولكنهم لما وصلوا إليه في معتقله وجدوه مقتولا بأمر مصطفى الرابع، فلم يستطيعوا إلا الانتقام له بقتل قاتله وأجلسوا على العرش محمودا الثاني، أخا مصطفى الرابع، وكان ذلك في سنة 1808. (4-2) الدور الثاني: ونقرنه باسم السلطان محمود الثاني (1808-1839)
فترة مهمة حكم هذا السلطان: تأكد فيها الاتجاه الجديد الذي بدأه سلفه سليم.
ولنبدأ - كما فعلنا بالنسبة لسليم الثالث - بلفت النظر لبعض وقائع الحقبة واتجاهاتها:
Неизвестная страница