Детальный план уроков по историческим факторам в строительстве арабской нации, какова она есть сегодня
منهاج مفصل لدروس في العوامل التاريخية في بناء الأمة العربية على ما هي عليه اليوم
Жанры
إن ظروف المجتمع الأوروبي الغربي في القرن السادس عشر هيأت لنمو قواعد التنظيم ما بين الدول الأوروبية من علاقات في حالتي الحرب والسلم. ولم ينشأ ما يماثل هذا في المجتمع الإسلامي المعاصر له؛ ذلك لما انتهى إليه التحول في ذلك القرن من صورة الجماعة المسيحية مشخصة في الإمبراطور الروماني المقدس وفي البابا إلى بروز الدول التامة السيادة، ومن هذه الدول ما كان أساسه قوميا (فرنسا، إنجلتره، إسبانيا ... إلخ)، ومنها ما لم يكن قومي الأساس (ملك آل هابسبرج إلخ)، والدول بنوعيها تامة السيادة كما قدمت، فكان مما لا بد منه إنشاء روابط وتنظيم علاقات تقوم مقام الجماعة الواحدة.
وفي مجتمعنا الإسلامي المعاصر لذلك الوقت لم يحدث شيء من ذلك، ففكرة انفصام عرى الجماعة الإسلامية لم يسلم بها أحد، حتى ولو كانت العرى منفصمة تمام الانفصام في الواقع. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد رأينا الدولة العثمانية تبتلع الدول والوحدات العربية والإسلامية، ولم يبق قائما كما رأينا إلا دولة المغول في الهند والدولة الفارسية والدولة المغربية، وإمارات أخرى أقل شأنا عربية وتركية وإيرانية. ولم تنشأ بين هذه والدولة العثمانية أو فيما بينها علاقات تقوم على أساس «الأجنبية»؛ ومن ثم لم يتم في بيئتها قانون دولي.
وأخيرا يمتاز عصر سليمان القانوني بتنظيم الحكومة، ولنترك الكلام عليه إلى أن نتحدث عن العرب في الدولة العثمانية. (3) القرن السابع عشر والثامن عشر
في العقود الأخيرة من القرن السادس عشر والأولى من القرن السابع عشر كانت الأنظمة العثمانية المختلفة الخاصة بالحكم والحرب والإدارة والجباية تؤدي وظيفتها. وفي الحقبة نفسها كانت حروب الاتساع قد بلغت مداها، ولكن ظهر في الوقت نفسه بوادر فساد الأنظمة وأخذ كل شيء سبيله للتدهور، وأخذ الملاحظون الخارجيون لأحوال المجتمع العثماني يزعمون أن لا صلاح يرجى له إلا بأن يتخلى عن أسسه، وإن شق ذلك عليه، كان الأسهل - والأحسن - أن ينتقل الحكم على نحو ما إلى أيد أوروبية، وأدرك أو أخذ يدرك المسئولون العثمانيون أن هناك أزمة في هذا، وكان منهم من رأى أن فساد الأنظمة لا يرجع إلى علة فيها، ولكنه يرجع إلى سوء تطبيقها، فإذا ما حاول المسئولون إصلاح التطبيق عادت الأحوال إلى أحسن ما كانت.
على أن أحدا من المسئولين لم يقتنع بذلك، وكان الاتجاه لديهم ابتداء من أواخر القرن الثامن عشر إلى إنشاء الحكومة القومية المسيطرة على كل شيء، التي تملك كل الأدوات وتخضع كل شيء لإرادة واحدة، ووجدوا في النقل من الأنظمة الغربية ما يكفل لهم ذلك. أما الشعوب البلقانية فابتدأت تنتعش فيها عناصر البناء منفصلة عن الدولة، وأما الرعايا المسيحيون في الولايات الآسيوية والأفريقية فكانت شئون الطائفة من طوائفهم أو الملة (ملت عند الترك) من مللهم تستغرق من أبنائها كل آمالهم وآلامهم.
وأما الرعايا المسلمون في الولايات نفسها فهم متفرقون حسب انتمائهم لجماعات أهل الحرب أو أهل العلم أو الشرع أو الكتابة أو الفلاحة أو الحرف أو التجارة. ولم يكن ظهر فيهم أساس من نوع ما لبناء جديد، بل لم تكن قد نبتت فيهم فكرة «البناء» في ذاتها. فكانت الحقبة حقبة حركات الجماعات الشعبية حينما لم يعد في طوقها مزيد احتمال للعنف والظلم واضطراب الأمن، أو حركات أصحاب العصبيات من زعماء العشائر والمغامرين من قادة الجند ومن إليهم.
على أن المجتمع العثماني الذي أجملنا تصويره على هذا النحو كان خلال هذين القرنين في موقف لم يكن من صنعه وحده، بل كان أيضا من صنع سياسة الدول الأوروبية نحو الدولة العثمانية. وقد نذهب إلى أبعد من هذا فنقول: إن هذه الدولة فقدت في تلك الحقبة الكثير من حرية الحركة أو التصرف في بيتها، وإن الدول الأوروبية خلقت في الواقع أوضاعا عثمانية وتولت حتى قرب زماننا حماية تلك الأوضاع.
والحكومات والشعوب الأوروبية في القرنين السابع عشر والثامن عشر تعيش في جو كله حركة، في جو الأزمات الفكرية وأزمات التنظيم الاجتماعي والحروب والثورات الدينية. وأغلب الظن أن الثورة الفرنسية حاولت أن تجد شيئا لحل جميع المشكلات، وفعلا حلت مشكلات وأصبحت هي في ذاتها مشكلة. والواقع أن ازدهار الحضارة في أوروبا في تلك الحقبة بلغ شأوا عظيما مما دفع الرحالة الأوروبيين في الولايات العثمانية إلى المبالغة في تصوير سوء أحوال تلك الولايات بلون مفرط في السواد. بيد أن الازدهار الأوروبي أخفى أن الذين نعموا به حقا كانوا قلة في كل مكان؛ وهذا منشأ الثورة الفرنسية وما تلاها من ثورات.
ولم تكن الحكومات والشعوب الأوروبية تكره - هذا إذا خففنا التعبير - سقوط الدولة العثمانية واختفاء رايتها تماما، وكانت كل من هذه الدول الأوربية تحب أن تنال من تراث العثمانيين ما يطيب من ولاياتها، وكان الأوروبيون يؤلمهم بصفة خاصة خضوع شعوب مسيحية لحكومة إسلامية. بيد أن هذه العبارات تحتاج إلى تقييد لتكون أضبط وأدق. ولنضبط العبارات بالكلام على واقع الحال. كانت الروسيا تعمل على إجلاء العثمانيين عن البلقان واكتسابه وأممه منطقة نفوذ روسية - إن لم تضمه وأممه لحكمها - بهذا تخلص البلقانيين وهم على مذهبها الديني من الحكم الإسلامي، وتصل لبحر الأرخبيل ومنه للبحر الأبيض المتوسط.
وكانت الروسيا تعمل للوصول إلى البحر الأسود، لتعمر أراضيها الجنوبية الخصبة ولتصل إلى منفذ آخر يصلها هي أيضا بالبحر المتوسط. وكانت الروسيا تحب أن يجلس قياصرتها على عرش بيزنطة في القسطنطينية، فيكون تشف ومحو عار وأخذ ثأر وتحيا روما الثالثة. بيد أن الروسيا لا تحب أن يشاركها غيرها في شيء من هذا، بل هي تفضل على المشاركة المحافظة على الدولة العثمانية تحت حمايتها أو - بعبارة أصح - تحت قدميها. أما سياستها نحو مسيحيي الدولة الأرثوذكسيين من أرمن وروم وعرب وأقباط فقد بدأت في القرن الثامن عشر تتحدث إلى رجال السلطنة العثمانية في أمورهم؛ تمهيدا للتدخل في القرن التاسع عشر في تلك الأمور بل وللدخول في حرب ضد فرنسا وبريطانيا والدولة العثمانية - حرب القرم عند منتصف القرن التاسع عشر - من أجل نفوذها في الدولة.
Неизвестная страница