Без Границ
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Жанры
السماح بعلاقات جنسية قبل الزواج في المجتمعات الزراعية كان سيضع على المحك الخطط التي وضعها جيل الآباء بحرص؛ حيث إن الرجال والنساء بطبيعتهم يصبحون متعلقين بشركائهم الجنسيين. فإن تبين أن أولئك الرفاق ليسوا الأزواج المثاليين أو الزوجات المثاليات من ناحية وراثة الأملاك، والحفاظ على المزرعة، وإعالة الآباء، فقد يصير من الصعب جدا على الوالدين إقناع الأبناء أو البنات بالزواج من شخص آخر. بالإضافة إلى ذلك، إذا قرر رجل وامرأة فيما بعد الانفصال وإنجاب أطفال من أشخاص آخرين، فإن كيفية توريث أملاكهما ستكون مسألة معقدة ومثيرة للخلاف، ومن الممكن بسهولة أن تتفاقم فتصير نزاعا علنيا وسخطا طويل الأجل.
من ثم في أقدم المجتمعات الزراعية، حيث ظلت الأسر لأجيال تعيش في القرى نفسها، وأورثت قطع الأراض نفسها لأبنائها وأحفادها لقرون، تشكل الاهتمامات الجنسية لدى النساء - بوجه خاص - خطرا بارزا على انسجام الحياة في القرية واستقرار المجتمع بأسره؛ لذا ليس من المستغرب أن التزام العفة قبل الزواج - خاصة لدى النساء - كان يعد فضيلة كبرى لدى المجتمعات الزراعية التقليدية في الصين والهند وأوروبا، وكان جيل الآباء يفرضها دون توان.
هكذا أخمدت هذه الثقافات تماما الميل الطبيعي لدى الأطفال والمراهقين إلى الانغماس في التجارب الجنسية، حتى إنه كثيرا ما كان يفصل الفتية والفتيات بعضهم عن بعض من سن مبكرة، وكثيرا ما كانت عذرية المرأة في هذه الثقافات تعد ضرورة مقدسة، ولم يكن يسمح للمراهقين غير المتزوجين قط بقضاء وقتهم معا إلا تحت رقابة يقظة من أحد المرافقين، بل وكان من المألوف في العديد من القرى الزراعية التقليدية في أوروبا منذ العصور الوسطى وحتى أواخر القرن التاسع عشر أن تعرض ملاءات فراش الزوجية على الملأ في صباح اليوم التالي لليلة العرس؛ حتى يتسنى للجميع أن يروا بقع الدماء الناتجة عن تمزق غشاء بكارة العروس العذراء بواسطة العريس خلال أول لقاء معاشرة جنسية بينهما.
لكن لم تكن كل مجتمعات الصيد وجمع الثمار متساهلة مع الغرائز الجنسية؛ فقد كان أكثر أسباب الخلافات الخطيرة بين الذكور البالغين شيوعا في أغلب المجتمعات البشرية هو الغيرة من الحظوة الجنسية لدى النساء، وقد ذكر كذلك الصراع بينهم على العلاقات الجنسية مع الإناث بصفته أكثر أسباب المعارك المميتة شيوعا بين ذكور الشمبانزي. وفي حين أن الصراعات بين الذكور من أجل الحصول على اهتمام جنسي من الإناث قد ينتج عنها مناقشات عالية الصوت واتهامات على الملأ في مجتمعات الصيد وجمع الثمار الأكثر سلمية، فإن مثل هذه الصراعات بين المجتمعات المولعة بالحروب كثيرا ما تؤدي إلى موت صياد أو محارب منتج في ربيع حياته؛ لهذا السبب كان يحث على عفة المرأة في العديد من ثقافات الصيد وجمع الثمار المستعدة للتحارب، وكانت عفتها موضع تقدير كبير.
حين درس اختصاصيو علم الإنسان في أوائل القرن العشرين قبائل الشايان النزاعة للدخول في حروب طاحنة، على سبيل المثال، وجدوا أنها كان لديها ثقافة كابتة للجنس؛ فقد كانت قبائل الشايان تعتقد أن الجنس يسلب من الرجل قوته عند الحرب والصيد، وقد عرف عن بعض الرجال الامتناع عن الجنس لسنوات في بعض الأحيان، معتقدين أنهم بذلك سينجبون في النهاية أبناء أقوياء مؤهلين للقتال. ولا عجب أن نساء الشايان كان يذاع عنهم «السيرة العفيفة»، وهو ما كان متناقضا تناقضا صارخا مع ما كانت تتسم به نساء قبائل أمريكية أصلية أخرى من سلوك لعوب.
تتجلى قيمة هذا النوع من الكبت الجنسي حين نتأمل المشكلات التي يسببها الجنس بين قبائل اليانومامي في غابات الأمازون المطيرة التي تميل للقتال ولكنها أكثر إباحة للجنس، حيث كانت العلاقات الجنسية سببا لكثير من العنف الذكوري، وحيث الصراعات على النساء قد تتفاقم إلى حروب خطيرة بين جماعات اليانومامي.
10
لكن في أغلب الحالات دائما ما تصير الحرية الجنسية عاملا يهدد استقرار المجتمعات الإنسانية حين يصير الرجال والنساء ورثة لثروات وأملاك؛ لهذا السبب فضلت كل المجتمعات الزراعية تقريبا زيجات مستقرة تستمر مدى الحياة - دائما ما يرتبها والدا العريس والعروس - والتي كانت تعد للوصول بالأسرة المصغرة لأقصى درجة من الاستقرار والاستمرارية. هكذا، على مدار آلاف السنوات التي كان يظل خلالها الناس مستقرين في مكان واحد وينتجون غذاءهم، كان الكبت الجنسي العام - المفروض بقسوة بين الأطفال والإناث بوجه خاص - يصير تدريجيا هو القاعدة.
نشأة الحروب المنظمة
مع تحول جامعي الطعام إلى مزارعين تدريجيا، صار الطعام والسلع المادية المتراكمة في شون القرى الزراعية ومخازنها أهدافا مغرية حتما لغزوات قبائل معادية. وغرائز الذكور البالغين العدوانية التي تطورت على مدار ملايين السنين التي اصطاد فيها الرجال الحيوانات البرية، صارت موجهة بصورة متزايدة إلى أنشطة عدوانية ضد مجموعات بشرية أخرى.
Неизвестная страница