Без Границ
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Жанры
فسر بعض العلماء مدافن كهف شاندر بأنها دليل على أن بشر النياندرتال كانوا يعتقدون في الحياة الآخرة اعتقادا ظل مرتبطا طوال التاريخ البشري كله بالرمزية وإقامة شعائر دينية. بيد أن اختصاصيي علم الحفريات الآخرين الذين أجروا تحليلات أحدث لهذه المدافن، استنتجوا أنه من المحتمل أن تكون حبوب اللقاح التي في قبر شاندر قد ذرتها الرياح إلى القبر، أو حملتها قوارض صغيرة تعيش تحت الأرض فحسب.
إلا أنه عثر في العديد من مواقع دفن شعوب النياندرتال، التي يبلغ عمر بعضها 200 ألف عام، على آثار لمغرة حمراء؛ إحدى الصبغات الطبيعية التي كانت تستخدمها شعوب الصيد وجمع الثمار أثناء إقامة شعائرهم. وهذا يشير على أقل تقدير إلى أن شعوب ما قبل التاريخ تلك كانت تعد الموت مرحلة مهمة في حياة البشر، وأن وفاة أحد أفراد الجماعة كان يقام لها الشعائر التي كان يلعب فيها استخدام مواد رمزية، مثل الصبغة الحمراء، دورا مهما.
لكن مع وصول الإنسان الحديث تشريحيا إلى أوروبا، يصير استخدام الرموز في أقوى أشكاله غزيرا في سجل الحفريات. وقد تكون أروع مجموعة لاستخدام الرموز من عصور ما قبل التاريخ في العالم هي آلاف النقوش الحجرية التي عثر عليها في كهف إسباني آخر في كانتابريا، وهو كهف لا باسيجا.
أسرار كهف لا باسيجا
في قلب كانتابريا، على بعد أقل من أربعة عشر ميلا جنوب شرقي كهف ألتاميرا، استكشف اختصاصي علم الإنسان وعالم عصور ما قبل التاريخ السويسري، هيوجو أوبيرماير، كهف لا باسيجا لأول مرة عام 1911م. سكن كهف لا باسيجا في البداية لفترة امتدت نحو ستة آلاف سنة، منذ فترة تتراوح بين 20 ألف عام و14 ألف عام، الشعب السولوتري ثم الشعب المجدليني، وهذا الكهف يحتوي على أغنى كنوز النقوش الحجرية التي عثر عليها على الإطلاق.
تمثل بعض النقوش الحجرية في لا باسيجا حيوانات أو أشخاصا، والبعض الآخر يمثل فيما يبدو أعدادا أو كميات، وما زال بعضها يمثل بأكمله لغزا. فيضم كهف لا باسيجا آلاف النقوش الحجرية، لكن باستثناء بعض صور حيوانات الصيد لم تفك شفرة أي من النقوش الحجرية مطلقا، إلا أنه في حين أننا قد لا نستطيع حل ألغاز هذه النقوش أبدا، فمن الواضح أنها ذات طبيعة رمزية؛ فهي ليست سطورا ونقاطا بلا معنى خربشت عشوائيا بلا سبب.
إنما النقوش الحجرية التي في لا باسيجا هي أشكال وأنماط نفذت بعناية حيث تتكرر عناصر تصويرية معينة، لكن ليس على نحو عشوائي. وهي من هذه الناحية تمثل الحروف المستخدمة في الكتابة الفعلية للثقافات المتحضرة (انظر شكل
5-5 ). كذلك تختلف النقوش الحجرية للغاية عن الأشكال الزخرفية المحضة التي نجدها في فخار وسلال مجتمعات ما قبل عصر الصناعة، حيث كثيرا ما يغطي تصميم واحد مساحة كبيرة بقليل من التنوع أو من دونه. علاوة على ذلك، رسمت النقوش الحجرية في مناطق موغلة من الكهوف لا يمكن بلوغها؛ مما يوحي بأنها لم ترسم عرضا. وأخيرا، نما إلى علمنا من دراسات إثنية معاصرة أن رسومات الكهوف ونقوشها الحجرية كانت تعدها شعوب الصيد وجمع الثمار أشكالا من السحر وكثيرا ما ترتبط بطقوس دينية.
شكل 5-5: الأشكال متقنة التنفيذ في كهف لا باسيجا تؤكد أنها وضعت لتسجل معلومات محددة وتنقلها في شكل رمزي.
لكل هذه الأسباب لا بد من اعتبار النقوش الحجرية تصاميم رسمت عمدا للتعبير عن معان محددة، ولتمثيل أشياء وأحداث معينة في الزمن والمكان، لكن ماذا كانت هذه الأشياء والأحداث بالضبط؟ للأسف، لا يوجد لدينا أدنى فكرة عن ذلك.
Неизвестная страница