Без Границ
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Жанры
2
ولهذا السبب، أعطى بقاء آلاف مؤلفة من الأغراض الحجرية من عصور ما قبل التاريخ انطباعا مبالغا فيه عن أهمية الحجر في التقنيات التي استخدمها بشر ما قبل التاريخ؛ فالأدوات الحجرية المتعددة التي عثر عليها علماء آثار قدامى في أطلال مستوطنات ما قبل التاريخ أدت سريعا إلى الاستخدام الشائع لعبارة «العصر الحجري» في وصف فترة التاريخ البشري كلها قبل التعدين.
لكن لم يكن العصر الحجري فترة أو عصرا متمايزا على الإطلاق، حيث إنه اشتمل على التاريخ التطوري الكامل لأشباه البشر، من أول ظهور لهم منذ ملايين السنين حتى البشر الحديث لعالم اليوم. تشمل هذه الفترة الهائلة من الزمن العديد من التقنيات التي جاء وصفها في هذا الكتاب، ومنها ترويض النار، وابتكار الملبس والمسكن، وتطور استخدام الرموز، وتبني الزراعة، وبدايات الحضارة المدنية. في الواقع، لم تبدأ نهاية العصر الحجري فعليا إلا حين بدأ تطوير تقنيات التعدين منذ بضعة آلاف السنين.
حين نضع في الاعتبار أن أقدم الأدوات الحجرية يبدأ تاريخها من ثلاثة ملايين عام تقريبا، يشمل العصر الحجري من هذا المنطلق نحو 99,8 في المائة من التاريخ البشري كله، وستساوي كل «العصور» المتبقية واحدا على خمسة في المائة فقط من زمن أشباه البشر على الأرض، بل إن حضارات العالم الجديد المتقدمة - ومن بينها حضارات الأزتك والمايا والإنكا، بمراكزها الحضرية الزاخرة، وديانتها المعقدة، وكتابتها الهيروغليفية المتطورة، وبيروقراطياتها المنظمة، وإنجازاتها المميزة في الرياضيات وعلم الفلك - ربما تعد مجتمعات وثقافات تابعة للعصر الحجري؛ لمجرد أن تلك الشعوب المعقدة والمتطورة لم تصنع أو تستخدم أدوات وأسلحة معدنية.
3
كذلك أدى مفهوم «العصر الحجري» إلى انطباع خطأ مفاده أن الأدوات الحجرية كانت أكثر الأدوات الأثرية انتشارا التي استخدمها بشر ما قبل التاريخ في حياتهم اليومية، لكن رغم أن الأدوات الحجرية كانت تستخدم في تشكيل مواد أخرى ونحتها وسنها، كان أغلب الأدوات المستخدمة في عصور ما قبل التاريخ تصنع من مواد قابلة للبلى اختفت سريعا من السجل الأثري، إلا أنه يوجد أنواع أخرى من الأدلة في شكل أنماط من الهجرة التي جرت في عصور ما قبل التاريخ، وفي أنماط تلف الأدوات الحجرية، بل وحتى في التاريخ الجيني لقمل الجسد البشري، لكن قبل نظر هذه الأشكال الأخرى من الأدلة لا بد أن نذكر كم هو مألوف أن تنشئ حيوانات ذات قدرات ذهنية أقل منا بكثير أماكن للمعيشة.
أماكن المعيشة التي تبنيها الحيوانات
اختصاصيو علم الرئيسيات الذين درسوا سلوك مجموعات برية من القردة العليا لاحظوا أن كل هذه الأنواع تستخدم مواد طبيعية لبناء أعشاش نوم لأنفسها، بل إنها في بعض الحالات تغطي رءوسها وأجسادها بالزرع لحماية أنفسها من ظروف الطقس. ولم تكن القردة العليا مطلقا أول الحيوانات أو الحيوانات الوحيدة التي تبني مساكنها، فبناء الحيوانات أماكن للسكنى لهو تصرف شديد القدم في تاريخ حياة الحيوانات على الأرض.
النمل والنمل الأبيض - اللذان ظهرا لأول مرة على هذا الكوكب منذ عشرات ملايين السنين، ولديهما «أدمغة» أصغر من رأس الدبوس - يبنيان أعشاشا دقيقة من أجل مستعمراتهما التي تضم آلاف الأفراد بحفر أنفاق وحجرات في الأرض والخشب المتآكل. وتبني الدبابير والزنابير أعشاشها من «ورق» خاص تصنعه بمضغ ألياف الخشب. ويبني النحل خلاياه المذهلة هندسيا من الشمع الذي تنتجه غدد صغيرة جدا واقعة أسفل القشور التي تغطي بطونها.
أما بين الحيوانات العليا، فالعشرة الآلاف من الأنواع الحية من الطيور كلها تقريبا تبني أعشاشها من المواد الطبيعية الموجودة في بيئاتها - ومنها الغصون والفروع والغاب والحشائش والوحل وحتى ريشها - وتستخدمها للنوم، ووضع بيضها، ورعاية صغارها. وثمة أنواع متعددة من القوارض والحيوانات الصغيرة - ومنها الفئران والجرذان والأقداد والسناجب والأرانب وكلاب البراري وقوارض الجوفر والفئران الجبلية - تصنع أعشاشا لنفسها في أشجار مجوفة وجحور تحت الأرض. تتكون بعض هذه الجحور من شبكات معقدة من الأنفاق والحجرات ينام فيها سكانها، ويخزنون طعامهم ويأكلون، ويضعون صغارهم، ويعيشون أكثر حياتهم وهم بالغون.
Неизвестная страница