Без Границ
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Жанры
ولا يقتصر تقليل حجم الكبد أو نشاطها على الإضرار بقدرة هذا العضو الحيوي على تنظيف الدم من السموم والفضلات المختلفة، لكنه أيضا سيحرم الدماغ من مصدره الرئيسي للطاقة؛ فالوقود الذي يمد أنشطة الدماغ بالطاقة هو جزيء سكر كبير يعرف باسم الجلايكوجين، ومؤن الجسم من الجلايكوجين المتاح يصنع في الكبد.
يتبقى لدينا الجهاز الهضمي باعتباره المرشح الوحيد لتقليص حجمه واحتياجاته من الطاقة. ليس من المستغرب إذن أن نجد أن الجهاز الهضمي لدى البشر - لا سيما المعدة والأمعاء - هو الأصغر، بالنسبة لوزن الجسم، بين كل الرئيسيات. في الواقع، يحتوي سجل حفريات أشباه البشر على أدلة واضحة على خضوع الجهاز الهضمي لتقلص كبير في الحجم حين تطور أشباه البشر الأوائل إلى البشر الناشئين الذين استخدموا النار.
كان لدى أشباه البشر الأوائل أقفاص صدرية عريضة ومتباعدة قرب الجزء السفلي، وكذلك عظام حوض أعرض وأكثر تباعدا. تدل هذه السمات على أن بطن هذه المخلوقات كان كبيرا نسبيا، في تشابه مع بطون القردة العليا؛ إنسان الغاب والغوريلا والشمبانزي، لكن مع ظهور الهومو إرجاستر والهومو إريكتوس صار القفص الصدري أضيق كثيرا في الجزء السفلي، وصار الحوض أصغر في قطره. توحي هاتان السمتان بأن الهومو إريكتوس قد تطور لديه البطن الأصغر حجما والأكثر اكتنازا الذي يتميز به إنسان العصر الحديث، ومن الممكن أن يكون قد أدى هذا إلى تقلص كبير في حجم الجهاز الهضمي.
مع هذا التقلص في حجم البطن، تظهر الحفريات العديدة للبشر الناشئين التي استخرجت على مدار سنوات زيادة كبيرة ومنتظمة في حجم الدماغ، من 600 سنتيمتر تقريبا مع ظهور الهومو هابيليس منذ مليوني عام تقريبا إلى نحو 1300 سنتيمتر في أحدث أشكال الهومو إريكتوس، التي عاشت منذ 250 ألف عام تقريبا. هذه الزيادة الهائلة في حجم الدماغ خلال مليوني عام لم يسبق لها مثيل في تطور الحياة على الأرض، فلم يفعل أي مخلوق آخر هذا. وتشير فرضية النسيج المكلف إلى أن النظام الغذائي المعتمد على الطعام المطهو وحده - والانخفاض الكبير في حجم الجهاز الهضمي الذي جعله الطعام المطهو ممكنا - هو ما مكن هذا السلف البشري من دعم احتياجات عضو «مكلف» مثل دماغ الإنسان الحديث.
15
كذلك يؤيد فرضية الطهو تغير تشريحي كبير آخر جاء مع ظهور الهومو إريكتوس: التقلص الكبير في حجم أسنان وفكوك البشر الناشئين. فسوف تتذكرون أن الشمبانزي الذي يعيش على الطعام النيئ فقط، لا بد أن يقضي 50 في المائة تقريبا من ساعات صحوه في مضغ الطعام، بينما إنسان العصر الحديث الذي يعيش بدرجة كبيرة على نظام غذائي من الطعام المطهو، يستطيع إنجاز كل عمليات المضغ الضرورية لتغذيته خلال خمسة في المائة من ساعات صحوه. هكذا كما تتخيلون، تفوق أسنان الشمبانزي وفكه نظائرها لدى الإنسان حجما بدرجة كبيرة بحكم الضرورة.
ليس من المستغرب أن سجل الحفريات أيضا يبين أن أسنان الأوسترالوبيثيكوس وأشباه البشر الأوائل وفكوكهم كبيرة جدا أيضا، في حين أن أسنان وفكوك البشر الناشئين أصغر بدرجة كبيرة؛ فالطعام المطهو لا يحتاج وقتا أقل في مضغه فحسب، لكن يمكن أيضا مضغه بدرجة كافية بأسنان وفكوك أصغر حجما بكثير. كل هذا دليل على أن الهومو إريكتوس تمكن من استخدام النار في وقت مبكر من تاريخه، وابتكر أسلوب حياة صار فيه الطعام المطهو عماد غذائه.
تشير أنواع عديدة مختلفة من الأدلة في مواقع أثرية في أفريقيا ما قبل التاريخ إلى أن الهومو إريكتوس، الإنسان الناشئ، كان أول أشباه البشر الذين أجادوا استخدام النار. تبين الأدلة الفيزيائية والكيميائية أن النار كانت تشعل لفترات طويلة في أغوار الكهوف التي كان يسكنها بشر ناشئون. كذلك تبين الأدلة الفيزيائية والكيميائية أن أغلب العظام التي عثر عليها في بعض من هذه الكهوف كانت قد احترقت؛ مما يشير إلى أنه في مرحلة ما بعد التمكن من إشعال النار والسيطرة عليها بمدة غير طويلة، كان البشر الناشئون يطهون لحومهم.
وتشير الأدلة التشريحية المستقاة من حفريات الهومو إريكتوس إلى أن هؤلاء البشر الناشئين لم يعودوا قادرين جسديا على تسلق أعالي الأشجار في الليل طلبا للأمان. كذلك تشير الأدلة التشريحية إلى أن البشر الناشئين كان لديهم أجهزة هضمية أصغر بكثير، وفكوك وأسنان أصغر بكثير، وأدمغة أكبر بكثير من أدمغة أي من أسلافهم. عند وضع كل هذه الأشياء في الاعتبار يبدو أن الهومو إريكتوس، الإنسان الناشئ، قد تعلم استخدام النار والتحكم فيها - وأنه قد جعلها عنصرا أساسيا من أسلوب حياته الطبيعي - منذ أكثر من 1,5 مليون عام.
الرئيسيات العارية
Неизвестная страница