Без Границ
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Жанры
كان الأثر الكلي المترتب على هذه التطورات انخفاض سعر الحديد انخفاضا مطردا، الذي سرعان ما بدأ استخدامه في عمل طائفة متزايدة من الأشياء المصنعة، تراوحت من الأواني والمقالي البسيطة وصولا إلى الجسور الحديدية العملاقة. وطوال العقد الأول من القرن الثامن عشر شهد استخراج الفحم الحجري توسعا هائلا، وفتحت مناجم فحم جديدة في جميع أرجاء أوروبا. وقد وفر انتشار مناجم الفحم أكثر من مجرد مصدر جديد للطاقة لصهر الحديد؛ فرغم أنه لم يكن بإمكان أحد في ذلك الوقت توقع هذا، فقد كان ثمة مشكلة شائعة تؤثر على أغلب مناجم الفحم، وظلت دون حل حتى اختراع المحرك البخاري؛ أحد أهم الآلات الدقيقة التي أحدثت تحولا، والآلة التي أدت إلى حدوث الثورة الصناعية، أكثر من أي آلة أخرى.
مناجم الفحم الحجري والمحركات البخارية
أغلب مناجم فحم العصور القديمة والوسطى كانت تستخدم عروق الفحم الموجودة قرب السطح، لكن بعد قرون من التعدين استنزف أغلب مناجم الفحم ذات الحفر المفتوحة هذه. بناء على ذلك، كانت تحفر آبار أسفل الأرض، لسحب عروق الفحم الواقعة في أعماق الأرض، لتلبية الطلبات المتزايدة على الفحم الحجري. لكن كثيرا ما كان يجب أن تمر مناجم الفحم العميقة هذه من خلال طبقات هائلة من المياه الجوفية، حيث كانت تقبع كميات وفيرة من المياه أسفل السطح. وحين كانت آبار مناجم الفحم وأنفاقها تمر من خلال هذه الطبقات، كانت تيارات هائلة من الماء تتدفق إلى المناجم لتغرق المناطق التي كان يستخرج منها العمال عروق الفحم.
هكذا ابتكرت طرق متنوعة لضخ الماء خارج مناجم الفحم، كان أهمها المضخة المسلسلة، وهي سلسلة من الأقراص أو الدلاء المربوطة بسلسلة تدور حول بكرات كبيرة، تتحرك حركة مستمرة داخل أنبوب أفقي كبير. ودائما ما كان يدير المضخة المسلسلة زوج من الخيول، غير أن الطاقة التي كان بإمكان الخيول منحها لضخ الماء من مكان سحيق لمكان مرتفع كانت محدودة، وسرعان ما شرع المخترعون البريطانيون في تجربة استخدام البخار لتحقيق هذه المهمة البالغة الأهمية.
ففي عام 1712م صنع رجل إنجليزي يدعى توماس نيوكومين جهازا أسماه «محرك الضغط الجوي»، كان يستخدم البخار تحت الضغط لتشغيل مكبس وأسطوانة يضخان الماء خارج المناجم. رغم صنع أدوات عديدة تستخدم البخار لتوليد طاقة آلية مثل اللعب والتحف منذ أزمنة قديمة، فإن محرك نيوكومين الجوي كان أول محرك يوظف طاقة البخار في استخدام عملي. وحين مات نيوكومين عام 1729م كان قد ركب أكثر من مائة محرك ضغط جوي في مناجم الفحم والقصدير، أغلبها في إنجلترا وويلز، وكذلك أدخل القليل منها في دول أوروبية أخرى؛ فقد ركب أول محرك ضغط جوي في فرنسا عام 1725م لضخ الماء من نهر السين لاستخدامه من جانب سكان باريس.
بيد أن محرك الضغط الجوي كان به عيب خطير؛ إذ كان لا بد من تسخين البخار بداخل الأسطوانة وتبريده بالتناوب من أجل رفع المكبس وإنزاله. ولم يكن هذا يهدر كميات كبيرة من الوقود فحسب، وإنما كان كذلك يحد بشدة من السرعة التي كان يستطيع أن يعلو بها المكبس وينخفض داخل الأسطوانة. وهكذا رغم النجاح التجاري لمحرك الضغط الجوي، فإنه لم يكن يحقق سوى نصف ما هو مطلوب لتطويع قوة البخار.
فرغم أن محرك الضغط الجوي كان قادرا على رفع مكبسه وخفضه بقوة كبيرة، لم يكن قادرا على تحويل حركة المكبس المتذبذبة إلى الحركة الدوارة التي جعلت الساقية مصدرا مفيدا للطاقة الميكانيكية (في الواقع، استخدم أحد محركات نيوكومين في ضخ المياه من بركة أسفل ساقية إلى خزان، حيث كانت المياه تتدفق منه لتعود إلى البركة، لتدير الساقية أثناء ذلك). وقد حاول المخترع الإنجليزي جيمس بيكارد التغلب على هذا القصور، فألحق حدافة بمكبس محرك الضغط الجوي عن طريق ذراع تدوير، الأداة المستخدمة منذ قديم الزمن، وفي عام 1780م وفق بيكارد في تسجيل براءة اختراع تصميمه المزود بذراع التدوير والحدافة.
للأسف كان محرك الضغط الجوي غير مناسب لغرض تدوير السواقي؛ لأن مكبسه وأسطوانته البدائيين كانا قادرين على التحرك مرة واحدة فقط كل خمس ثوان . وكان هذا معناه أن أقصى سرعة للساقية المتصلة بمكبس محرك الضغط الجوي كانت لا تتجاوز اثنتي عشرة دورة في الدقيقة، وهي سرعة بطيئة لدرجة مؤسفة لأي محرك دوار. وقد كانت براءة اختراع بيكارد عقبة خطيرة في سبيل صانع الآلات الأسكتلندي، جيمس واط، الذي كان قد سجل بالفعل براءة اختراع تصميم محرك بخاري أكثر كفاءة بكثير.
أدخل واط تعديلين مهمين على التصميم الأساسي لمحرك نيوكومين؛ فكان التعديل الأول هو السماح للبخار بالاندفاع من الأسطوانة إلى حيز للتكثيف والتبريد مع كل ضربة؛ مما أزال الحاجة إلى تبريد الأسطوانة الأساسية وتسخينها مرارا وتكرارا حيث كانت تهدر الطاقة؛ فقد كان محرك الضغط الجوي يستهلك في عملية إعادة تسخين الأسطوانة وقودا أكثر مما يستخدمه في إعطاء قوة آلية.
وكان التعديل الثاني الذي أدخله واط هو غلق الجزء الخلفي للأسطوانة بغطاء كاتم للضغط، بما يتيح لذراع المكبس وحده بالبروز من ثقب محكم في مركز هذا الغطاء؛ مما جعل البخار يدخل قاع الأسطوانة أولا، دافعا المكبس لأعلى لقمة شوطه، ثم يدخل أعلى الأسطوانة، ضاغطا المكبس لأسفل مرة أخرى. هذه الحركة المزدوجة، التي أعطت الأسطوانة شوطي قدرة بدلا من شوط واحد، ضاعفت قوة المحرك البخاري فعليا دون زيادة في الحجم أو الوزن.
Неизвестная страница