Без Границ
بلا قيود: تقنيات حررت البشر ودفعتهم لحافة الهاوية
Жанры
وثالثا: كان ينتج عن عملية صهر الحديد القديمة كتلة خشنة هشة إسفنجية، يجب إعادة تسخينها وطرقها مرارا وتكرارا لتتحول إلى «حديد مطاوع» صالح لصناعة أشياء قابلة للاستخدام. أما البرونز فيمكن تشكيله بمجرد صهره.
ورابعا: حين يتعرض البرونز للجو يندمج مع الأكسجين الموجود في الهواء ليكون «زنجارا»، وهو طبقة من المعدن المؤكسد، رفيعة لكن متينة، تغطي الغرض المصنوع من البرونز وتقيه من المزيد من التحلل. أما الحديد فحين يتأكسد ينتج عنه أكسيد الحديد أو «الصدأ»، وهو مادة غبارية ضعيفة لا تحمي سطح الحديد. لهذا السبب، حين تتعرض الأشياء المصنوعة من حديد للهواء والماء لفترات طويلة، ينفذ الصدأ إلى باطنها، فيبريها وتصير عديمة الفائدة في النهاية.
لماذا إذن حل الحديد محل البرونز في كل المجتمعات المتحضرة؟ يبدو أن السبب كان بدرجة كبيرة يرتبط باعتبارات اقتصادية محضة؛ فخام الحديد موجود بوفرة في أرجاء العالم المأهول، ويمكن العثور عليه ليس في كل القارات فحسب، ولكن أيضا في أغلب الجزر الكبرى المأهولة، بما في ذلك أستراليا واليابان ونيوزيلاندا والفلبين. في واقع الأمر، توسعت مجتمعات العصر الحجري القديم في أوروبا في استخدام «المغرة الحمراء» - شكل من أشكال خام الحديد - في رسومات الكهوف وعمليات الدفن وغيرها من الطقوس الدينية.
حين كانت الحروب أو انهيار إحدى الحضارات القديمة يعرقل التجارة بين المناطق المتباعدة - وهو من الأحداث المألوفة على مدار التاريخ - كانت خامات النحاس والقصدير تندر وترتفع أثمانها، في حين كان من الأسهل الحصول على الحديد الخام الأكثر وفرة. غير أنه بسبب صعوبات تشكيل الحديد، لم ينته أخيرا استخدام البرونز في صناعة الأشياء المعدنية الشائعة ويحل محلها الأدوات والأسلحة المصنوعة من الصلب - التي كانت أصلب وأمتن من نظيراتها الحديدية أو البرونزية - إلا في العصور الوسطى مع انتشار استخدام الأفران المشتعلة بالفحم، وحين تحسنت عملية صناعة الصلب المعقدة.
الخيل والعجلة والحرب
7
ظل البشر الناشئون، وبعدهم بشر النياندرتال، وبعدهم بشر العصر الحجري القديم العلوي المتطورون تشريحيا يصطادون الخيل بين ما يصطادونه من حيوانات الصيد الأخرى طوال 400 ألف عام على الأقل، بل وحين استأنس بدو سهوب أوراسيا الخيل أصلا منذ 6000 عام تقريبا، لم يكن ذلك من أجل استخدامه وسيلة للتنقل، وإنما بالأحرى كمصدر للغذاء. والسبب بسيط: فالحصان هو الحيوان الوحيد القادر على تغذية نفسه في المرعى المغطى بالثلوج.
تتعرض المروج المترامية في سهوب أوراسيا لبرد قارس في الشتاء، ويغطيها كثيرا من الوقت بساط من الثلوج. كانت شعوب آخر العصر الحجري الحديث قد استأنست الأغنام والماشية بالفعل - التي كانت تفضل لحومها - لكن هذه الحيوانات كان لا بد أن تغذى باليد حين يغطي الثلج والجليد الأرض. صحيح أن الأغنام تستطيع اختراق الثلج المكسو بالجليد بأنوفها لتصل للعشب أسفله، لكن حواف الجليد المتكسرة الحادة ستمزق جلد أنف الأغنام الرقيق. أما الأبقار فهي أكثر عجزا؛ فقد تتضور جوعا في حين أن الغذاء لا يبعد عن السطح بأكثر من بضع بوصات لعدم قدرتها على الكشف عن العشب أسفل غطاء الثلج، لكن الخيل التي نشأت في المروج الفسيحة في المناطق الشمالية قادرة على إزالة الثلج بحوافرها الحادة، وترعى بسهولة في المراعي المغطاة بالثلج.
وبمجرد أن استأنس بدو أوراسيا الخيل لتكون مصدرا بديلا للحوم، اكتشفوا أن هذه الحيوانات يمكن السيطرة عليها بشكيمة توضع في أفواهها وتربط بلجام مصنوع من الحبال أو الجلد. وقد أثبت عالم الآثار ديفيد دابليو أنتوني، بفحص أنماط الاهتراء في أسنان الخيل التي دفنت في قبور أصحابها، أن الخيل كانت تقاد بشكائم وألجمة بسيطة منذ عام 4000 قبل الميلاد.
8
Неизвестная страница