وأدرك حسنين أن أخاه نفذ كعادته إلى ما وراء كلامه فقال بإشفاق: إني أقرر مبدأ عاما يجوز عليك اليوم وعلي غدا. - تعني أنه يجب أن أجد وظيفة؟
فزاغ عن الجواب الصريح وتساءل: ما رأيك أنت؟
فالتفت حسين صوب أمه وسألها مبتسما: ما رأيك يا أماه؟
وأثرت ابتسامته في نفسها تأثيرا عميقا، وأدركت أنه يضع مصيره بين يديها، وأنه يحملها وحدها مسئولية مستقبله، ولكنها لن تقضي عليه بما لا يحب، لن تفعل ولو ذاقوا الهوان أربع سنوات أخرى. إنه الوحيد الذي يذعن لمشيئتها بلا تردد أو تذمر؛ فهل يكون جزاؤه الفداء؟! وقالت الأم بوضوح: رأيي رأيك يا حسين.
فابتسم حسين ابتسامة غامضة، وقال مدفوعا برغبة عابثة في مضايقة حسنين: أرى أن أكمل مرحلة التعليم العالي.
فقالت نفيسة بسرور: أحسنت!
وقال حسنين بعد تردد: أمامنا أربعة أعوام عجاف أخرى.
فقال حسين مبتسما: عام واحد فحسب ثم تتوظف أنت في نهايته إن شاء الله!
فضحك حسنين مغلوبا على أمره، وقال بلهجة المعتذر: لعلك تظن أنني أريدك على أن تتوظف لتتيح لي فرصة أكمل فيها تعليمي العالي في هدوء وطمأنينة، ولكن الحقيقة أنني أود أن أرحم أسرتنا مما تعانيه، وفضلا عن هذا وذاك فإذا كان على أحدنا أن يضحي بذاته - إذا اعتبرنا التوظف بالبكالوريا تضحية - فأنت الذي يجب أن تبذل هذه التضحية، لا لأني أريد لك ما لا أريد لنفسي؛ ولكن لأن أسرتنا تستطيع أن تنتفع بتضحيتك الآن، على حين يجب أن تنتظر عاما آخر حتى يمكنها الانتفاع بتضحيتي أنا.
فضحك حسين قائلا: منطق زائف! إني أعلم علم اليقين أنك لن ترضى بالتضحية لا العام القادم ولا الذي بعده.
Неизвестная страница