فقالت مبتسمة: والحساب أيضا.
فقال حسين وهو يتنهد: أنا.
فقالت في مكر: يريدكما معا، وطبعا بالمجان!
فهتفا معا في سرور وقد أدركا ما وراء كلامها: طبعا!
15
لم يكن ثمة ما يدعو إلى ارتداء البدلة في ذهابهما إلى شقة في نفس العمارة، فارتديا معطفيهما على البيجامتين، وإلى هذا كانت أمهما تحرم عليهما ارتداء البدلة - أن يبليها طول الاستعمال - إلا للضرورة القصوى. وكان الضحى بسام الشمس، فلطفت حرارتها من برودة الجو. وارتقيا السلم يملؤهما السرور والأمل. ومرا في صعودهما بباب شقتهما القديمة فألقيا عليها نظرة صامتة، وانتهيا إلى الشقة العليا فوجدا الباب مواربا، ووقفا لحظات مترددين، ثم اقترب حسنين من الباب ورفع يده ينقر عليه، ولكن يده جمدت في الهواء ورنت عيناه إلى الداخل على رغمه. رأى فتاة مولية الباب ظهرها ومنحنية على شيء بين يديها - لعلها تبحث في درج من أدراج البوفيه - وقد برز ردفاها اللطيفان، وانحسر الفستان عن ساقيها وباطن ركبتيها، ساقان مدمجتان يكسوهما بياض ضاحك، تكاد العين تحس طراوتهما. وثبتت عيناه على المنظر فلم يبد حراكا. وعجب حسين لموقفه فدنا منه في اهتمام وألقى ببصره من فوق كتفه، وهو يشرئب بعنقه فغمرته دهشة، ولكن سرعان ما ارتد عن فرجة الباب كالهارب، وجذب أخاه من ذراعه وهو يرميه بنظرة حادة؛ كأنما يقول له «أمجنون أنت؟» ولبثا حينا وقد ركبهما ما يشبه الشعور بالذنب، وكأن المنظر ذر في شقوق صدريهما الشطة. ومال حسنين على أذن حسين وهمس: بهية.
فغمغم الآخر متظاهرا بعدم الاكتراث: لعلها.
فتردد حسنين وفي عينيه بسمة شيطانية ثم قال: ألا نسرق نظرة أخرى؟
فلكزه في كتفه ونحاه جانبا، ثم اقترب من الباب وطرقه، وسمعا وقع أقدام آتية، وفتح الباب عن وجه جميل، مستدير ممتلئ أبيض، مشوب بشحوب خفيف، تزينه عينان زرقاوان صافيتان. وما إن رأت القادمين حتى تراجعت في خفر. ثم جاء من بعيد صوت فريد أفندي وهو يهتف: تفضلا يا حضرتي الأستاذين الكبيرين!
ودخلا إلى الصالة - حجرة السفرة أيضا - فرأيا فريد أفندي جالسا على كنبة في مواجهة البوفيه، في جلباب فضفاض، جعل منه كهيئة المنطاد. وسلما عليه وهو يتصفح وجهيهما باهتمام وترحيب، ثم نادى سالم، فجاء الغلام ووقف في حياء وارتباك، فقال فريد أفندي: سلم على أستاذيك. أنت تعرفهما طبعا، ولكنهما من الآن فصاعدا شخصان جديدان. هما أستاذاك، فتأدب في محضرهما كما تتأدب أمام معلميك.
Неизвестная страница