Бертранд Рассел: Очень краткое введение
برتراند راسل: مقدمة قصيرة جدا
Жанры
ولكن - حسب وجهة نظر رايل - الأهم من ذلك هو الطريقة التي أدخل بها راسل فرع المنطق الصوري إلى الفلسفة. «كان الفضل يعود إليه - كما يعود إلى فريجه ووايتهيد بدرجة أقل - في أنه سرعان ما أصبح يعتبر الحصول على قدر من التمرين على المنطق الصوري في فلسفة ما بعد أرسطو من الشروط الضرورية لمن سيصبح فيلسوفا» (المرجع السابق، ص19). وكان وضع رايل يتيح له أن يعرف ذلك؛ إذ كان له دور أساسي في ضمان إتاحة ذلك في المقرر الدراسي في جامعة أكسفورد. ومبرر ضرورة التمرين على المنطق هو أنه يرسي الدقة ويبشر بفرص للفهم من النوع الذي على غرار نظريات راسل عن الأوصاف والأنماط. ومثل كواين، يشيد رايل بالسبب الثاني باعتباره مهما أهمية خاصة في توضيح كيف يمكن التفرقة بين المنطق السليم والهراء، وبهذه الطريقة - حسب وجهة نظره - أثر تأثيرا منفصلا في فيتجنشتاين في بداياته وفي أتباع الوضعية المنطقية.
رشح فييمان أول محاولة مهمة لراسل تهدف إلى إمداد الرياضيات بأسس منطقية لتكون بوتقة الفلسفة التحليلية. ولا شك أن هذا صحيح، بمعنى أن راسل حدد فيها - في شكل مبدئي وأحيانا غير مكتمل - المناهج والمشكلات الأساسية. ولكن كواين على حق أيضا في أن يقول إن الفلسفة التحليلية تعتمد تماما على كل أعمال راسل - كتبه وأوراقه البحثية - في الفترة ما بين عام 1900 وعام 1930 تقريبا. ومع ذلك، تظهر اللبنات الأولى لأعمال لاحقة في بعض هذه المواضع على نحو أوضح؛ فلدينا مثلا الفصل الثاني من كتاب «معرفتنا بالعالم الخارجي»، بعنوان «المنطق باعتباره جوهر الفلسفة». وهذا الفصل بمثابة وثيقة توضيحية بطريقتين؛ أولا: أنه يوضح أشد توضيح أهداف ودوافع ومناهج أسلوب التحليل عند راسل. وثانيا: أنه يحتوي على وصف مختصر للمشروع الفلسفي الذي اتخذه فيتجنشتاين في كتابه «رسالة منطقية فلسفية»، ويشرح كيف تنشأ الأفكار وتتطور.
يبدأ راسل الفصل الثاني من كتاب «معرفتنا بالعالم الخارجي» بالتأكيد على أن مشكلات الفلسفة كلها تختزل - ما دامت فلسفية بحق - في مشكلات المنطق (معرفتنا بالعالم الخارجي، ص42). ويقصد بهذا أنه يمكن توضيح المشكلات الفلسفية وحلها بتطبيق أساليب المنطق الرياضي الأولي؛ مما «يساعدنا على التعامل بسهولة مع المزيد من المفاهيم المجردة بما يفوق قدرة الاستدلال اللفظي على إحصائها؛ وهي تقترح افتراضات مثمرة ما كان لها أن تخطر على بالنا في ظروف أخرى؛ وهي تساعدنا على أن ندرك بسرعة أصغر مقدار من المواد يمكن به بناء صرح منطقي أو علمي» (معرفتنا بالعالم الخارجي ، ص51). وبصفة خاصة، فإن نظريات الإدراك والمعرفة التي يواصل تقديمها في الفصول التالية من كتاب «معرفتنا بالعالم الخارجي» «ألهمها المنطق الرياضي ولم يكن من الممكن تصورها من دونه قط» (المرجع السابق). والعامل المهم هو الفكرة القائلة بأن المنطق يساعدنا على تحديد «صور» الوقائع والقضايا التي تعبر عنها. إن نموذج التحليل الذي يحل مشكلة كبيرة عن طريق الكشف عن صورة القضية هو - بطبيعته - نظرية الأوصاف. وحتى قبل ذلك استخدم راسل التحليل الصوري لإثبات أن ليس كل القضايا تتخذ صورة الموضوع والمحمول، بل إنها تكون ارتباطية؛ وتمكن هذا التحليل وحده - من وجهة نظره - من دحض مذهب المثالية وتبرير الافتراض المتعلق بالتعددية.
وفي سياق مناقشة العلاقات في الفصل الثاني من كتاب «معرفتنا بالعالم الخارجي»، يقول راسل إنه لا يمكن فهم العلاقات جيدا إلا في وجود تصنيف للصور المنطقية للوقائع. وفي هذا الموضع يأتي الوصف المختصر للموضوع الذي تناوله كتاب فيتجنشتاين «رسالة منطقية فلسفية». وهذا ليس إيحاء بأن راسل استقى الفكرة من فيتجنشتاين، وكان تلميذا لراسل في جامعة كامبريدج لمدة سنتين قبل أن يكتب راسل هذا الفصل؛ بل هو إيحاء بالعكس؛ إذ استقى فيتجنشتاين هذه الأفكار من راسل. ويأتي مبرر هذا الادعاء بعد برهة. أولا: من الضروري أن نذكر أنفسنا بالحجة التي يقوم عليها كتاب فيتجنشتاين «رسالة منطقية فلسفية». باستخدام كلمات فيتجنشتاين نفسه ونظام الترقيم بعد إعادة ترتيبه هنا (لتوضيح بنية الحجة)، فإن الفرضيات الأساسية الواردة في كتاب «رسالة منطقية فلسفية» هي: (1) العالم هو كل الحقيقة الواقعة. (1-1) العالم هو مجموع الوقائع، وليس الأشياء. (2) الحقيقة الواقعة - بمعنى الوقائع - هي وجود حالات. (2-1) أي حالة هي عبارة عن مجموعة من العناصر (الأشياء). (2-2) العناصر بسيطة.
ويوازي هذا الوصف المتقشف لبنية العالم وصف للبنية الفكرية المقابلة كما ترمز إليها القضايا، وهي علاقة يصفها فيتجنشتاين بمصطلح التصور. (4) أي صورة منطقية للوقائع هي عبارة عن فكرة. (3-1) في أي قضية تجد الفكرة رمزا يمكن أن تدركه الحواس. (3-201) في أي قضية يمكن التعبير عن فكرة ما بطريقة تماثل فيها عناصر رمز القضية عناصر الفكرة . (5) أي قضية هي دالة صدق للقضايا الأولية. (4-21) أبسط نوع من القضايا - وهي القضية الأولية - تؤكد وجود حالة ما.
وتسير الحجة على هذا النحو، بمزيد من التفصيل. ومن نافلة القول أن الأفكار المنطقية التي تكمن وراء هذه الفرضيات هي بالطبع مألوفة من الأعمال السابقة لراسل؛ ولكنها تتصل أساسا بفكرة البنية ووسيلة تحليلها، ومثال ذلك نظرية الأوصاف. والمدهش أكثر هو المضمون الفعلي لوجهات النظر التي يعبر عنها بالترتيب كل من فيتجنشتاين في كتاب «رسالة منطقية فلسفية» وراسل في الفصل الثاني من كتاب «معرفتنا بالعالم الخارجي». وفي هذا الفصل يكتب راسل:
يتألف العالم الحالي من الكثير من الأشياء والكثير من الصفات والعلاقات. ومن المفترض ألا يتطلب وصف كامل للعالم الحالي قائمة بالأشياء فحسب، بل أيضا ذكرا لكل صفاتها وعلاقاتها ... فحين أتحدث عن «واقعة» ما، فإني لا أقصد واقعة من الأشياء البسيطة في العالم، بل أقصد أن شيئا معينا يحمل صفة معينة، أو أن أشياء معينة تحمل علاقة معينة ... وأي واقعة بهذا المعنى ليست بسيطة مطلقا، ولكنها دائما تتألف من مكونين أو أكثر ... وعند وجود أي واقعة، توجد قضية تعبر عن الواقعة، (وهذه القضية) سيطلق عليها قضية ذرية؛ لأنه كما سنلاحظ حالا يوجد قضايا أخرى تدخل فيها القضايا الذرية في قضايا ذرية أخرى بطريقة مشابهة للطريقة التي تدخل بها الذرات في الجزيئات ... ولكي نحافظ على التوازي في اللغة فيما يتعلق بالوقائع والقضايا، سنطلق اسم «الوقائع الذرية» على الوقائع التي ندرسها حتى الآن. (معرفتنا بالعالم الخارجي، ص60-62)
وتستمر الحجة على هذا النحو.
يأتي وصف راسل هنا كوصف مختصر ، ويحضر على نحو غير رسمي؛ ففي كتاب «رسالة منطقية فلسفية» يعرض فيتجنشتاين فرضياته بمزيد من التفصيل، في شكلها المرقم ترقيما منظما؛ مما يمنحها مظهر الدقة، مع أنها في الواقع عبارة عن حجة جزئية فقط. ويحرص فيتجنشتاين على فصل وصفه لأبنية اللغة العالمية الموازية عن أي اعتبارات إبستمولوجية، فيما يقدم راسل أمثلة واقعية للوقائع والصفات والعلاقات: مثال على الحقيقة الذرية عبارة «هذا أحمر»، ومثال على الحقيقة الجزيئية عبارة «اليوم هو الاثنين وهي تمطر الآن».
من الممكن إثبات أن الأساس الذي يستند إليه كتاب فيتجنشتاين «رسالة منطقية فلسفية» مستمد من أفكار راسل هذه؛ وذلك لأن الوصف المختصر الوارد في فصل كتاب راسل يلخص وصفا أطول كان يسعى إلى تقديمه في مخطوطة أصبحت تعرف الآن باسم «نظرية المعرفة». (أصبحت المخطوطة تحمل هذا العنوان عند إعادة بنائها ونشرها بعد وفاة راسل.) كان راسل مشغولا في العمل في هذه المخطوطة في عام 1913 حين كان فيتجنشتاين تلميذه. وعرضها على فيتجنشتاين، فانتقد ما بها من مناقشات تتناول الاطلاع والحكم. ف «الاطلاع» - كما سبق وصفه - هو الاسم الذي أطلقه راسل على العلاقات المعرفية الأساسية بين موضوع ما وعناصر من أنواع مختلفة؛ و«الحكم» هو علاقة معقدة يمكن وصفها تقريبيا بأنها تقبل قضية ما باعتبارها صادقة بسبب الاطلاع على مكوناتها. نحن لا نعلم تفاصيل انتقادات فيتجنشتاين؛ وحين تحدث راسل عنها في رسالة قال: «كان كل منا يشعر بضيق الخلق بسبب ارتفاع حرارة الطقس، وعرضت عليه جزءا مهما مما كنت أعكف على كتابته؛ فقال دون أن يدرك الصعوبات إنه كله كان خاطئا، وإنه كان قد جرب وجهة نظري وتأكد من أنها لن تنجح. لم أستطع أن أفهم وجه اعتراضه - في الواقع كان عاجزا عن التعبير تماما - ولكني ينتابني شعور غامض ينبئني أنه كان محقا بالتأكيد.» ولهذا السبب في المقام الأول لم ينشر راسل إلا جزءا من المخطوطة، وبعد عدة سنوات تخلى عن مفهوم الاطلاع الذي كان في صلب موضوعها. ولكن الخطة الأساسية - التي تتناول القضايا الجزيئية القابلة للتحليل إلى مكونات ذرية، والتي ترمز إلى وقائع توازيها في البنية، على أن تكون العلاقات التي بين الوقائع والقضايا هي أساس فهمنا للقضايا - تظل موجودة في الوصف المختصر الوارد في الفصل الثاني من كتاب «معرفتنا بالعالم الخارجي»؛ وهو الهيكل الذي يكسوه فيتجنشتاين بلحم مختلف بعض الشيء في كتابه «رسالة منطقية فلسفية».
Неизвестная страница