تجاهل المفتش السؤال، ثم رفع يده داعيا الجميع إلى السكوت فأطبق الصمت، ثم راح يطرق الباب المغلق بيده هاتفا: عبد الغفار أصغ إلي.
فجاء من الداخل صوت كالرعد: لا تحاول عبثا.
فصاح المفتش: يجب أن تسمع لنا .. لا شأن للناس بمشاكلك الخاصة. - أنا هو أنا. - عبد الغفار .. ما ذنب الناس؟ معك رجال ونساء وأطفال .. كلهم أبرياء. - هراء! - ارجع إلى عقلك قبل فوات الفرصة. - هراء! - تذكر ربك، ألا تخشى لقاءه؟ - هراء!
ارتفعت درجات الذعر إلى غير حد، وتفشى الاضطراب في كل موضع. وبذلت محاولات يائسة لدفع الباب أو تحطيمه، ولكنها سرعان ما توقفت عندما هدد السائق بتفجير القاطرة. وأغمي على كثرة من النساء وبعض الرجال. وفقد شاب أعصابه فرمى بنفسه من إحدى النوافذ مودعا الحياة بعواء ظل صداه يتردد طويلا. ونشبت معارك غريبة لم يعن أحد بفضها أو معرفة بواعثها.
واقترب الرجل من كبير المفتشين، وزعق به: أليس هنالك من حيلة؟
فأجاب الرجل بصوت لا يقل عنه درجة واحدة: جربنا كل حيلة. - أيعني هذا أن نفنى جميعا لا لسبب إلا ...
وشعر بذراعين تطوقانه من خلف قبل أن يتم جملته، فالتفت في ذعر واضح، فرأى المرأة تطالعه بوجه مخطوف وبصر زائغ؛ فصاح بها بغيظ لم يحاول إخفاءه: تشددي .. لا وقت لهذا.
فقالت بصوت مخنوق: أين أنت؟ جن زوجي فخنق أخي، ثم راح يضرب رأسه في الجدار.
قال بضيق، وكأنه لم يسمع شيئا: نحن نجري بسرعة جنونية نحو الفناء.
ارتمت بين يديه مغمى عليها فقطب في حنق، ثم مضى يجررها إلى ركن المكان، فأنامها على الأرض بسرعة آلية باردة. ولما عاد إلى المفتش وجده يصرخ ويشد شاربه ويبكي. ودق الرجل الباب بقبضتين مجنونتين هاتفا: يا عبد الغفار .. يا عبد الغفار.
Неизвестная страница