أجاب السني باسما : نحن بعيدون، فليأكل بعضهم بعضا.
وضع رجلا على رجل، وهو يجلس على صفيحة مقلوبة، ونظر إلى بعيد نظرة حالمة، ثم قال: سمعنا الأعاجيب عن الحرب الماضية.
فقالت آمنة ضاحكة: أصلك عجوز!
فضحك دحروج عن أسنان سود قائلا بسخرية: أنت لا تهتمين إلا ببطنك.
وقال سلامة، وكان رغم تجاوزه الشباب يصغر صاحبه بعشر سنوات على الأقل: حقا سمعنا الأعاجيب. - الأسيوطي من هو؟ كان قبل الحرب شيالا.
ورجع العيال ناسين الوعيد فرجعت الضوضاء، وجرى محمود ابن السابعة - وهو البكري - وهن في ذيله فرمقه أبوه بإعجاب وصاح به: ولد يا محمود شد حيلك، الحرب قامت.
وعند الأصيل جلس دحروج وسلامة على خيشة متجاورين خارج سور الخرابة. ترامت أمامهما الصحراء حتى سفح الجبل، منطفئة الرمال تحت الظل، وانداحت في السماء الصافية صفرة باهتة هي بقية أنفاس القيظ المختنقة. وثمة شعاع وان من الشمس المائلة يتسلق هامة الجبل في عجلة، على أن الصحراء تزفر هواء منعشا باقتراب المساء. وراح دحروج يعد القروش والسني مسند الرأس إلى جدار السور سارح البصر في الأفق. وجاءت آمنة بالشاي، وجرى العيال إلى الخلاء حفاة نصف عرايا. ورشف دحروج قليلا من الشاي الساخن وهو يقول: قلبي يحدثني يا سلامة بأن الشغل سيضحك عاليا. - ليصدق قلبك يا أبا محمود. - ليتني أستطيع أن أعتمد عليك. - صديقك .. وأسير شهامتك .. ولكن لا يمكن أن أبرح الخرابة.
تفكر دحروج قليلا، ثم تساءل: هل يعرفك أحد في المدينة الكبيرة خلف هذه اللحية؟ - إنهم يعرفون الجن. - وهل ينقضي عمرك في الخرابة؟ - هي خير من حبل المشنقة يا أبا محمود.
أطلق دحروج ضحكة عالية، ثم قال: يحق لي أن أضحك كلما تذكرت حكاية هربك من بين حارسين. - خير الهرب ما وقع حيث لا ينتظر.
فقالت آمنة وهي واقفة مستقبلة الخلاء، وقد انحسر شالها عن نصف رأسها الفاحم: وانعدم الرجل بلا دية!
Неизвестная страница