سكت الجميع ينظرون في استغراب ويقررون إن كان مهفوفا أولا أو عليهم أن يعاملوه كالعاقلين، وإن كان يسأل حقيقة أو أنه ينصب بسؤاله مصايد وفخوخا، وفجأة قال مفلفل الشعر: أنت بتقول إنك شفت وإننا شفنا، هو إيه اللي شفته وشفناه.
ببلادة قال: شفت اللي حصل. - وهو حصل إيه؟ أنت شفت حاجة حصلت؟ احنا ما شفناش أنت شفت. - الله، كل ده وما حصلش حاجة، أمال الست. - كدابة. - والأفندي. - ما عملش حاجة. - وأنا. - وأنت نصاب باين عليك.
قالها شاب كان ضمن الكتلة الملتصقة التي تسد الباب الخلفي وما لبث أن انخلع منها وتقدم في اتجاه الدكتور عويس مستمرا بصوت يتزايد علوا: على فكرة أنا طالب في كلية كذا جامعة كذا اللي بيقول عليها دي، وأعرف كل الأساتذة والمعيدين ويمين بالله ما في كليتنا أستاذ بالاسم ده ولا شفت الخلقة دي قبل كده من أصله، ده شكل أستاذ جامعة ده؟!
وفعلا، كان المتحقق في ملابس الدكتور عويس وهيئته التي لا تترك له اهتماماته الأستاذية الأنثروبولوجية وجنوناته وقتا للعناية بها يستطيع ببساطة أن يجزم أنها قد تكون لأي إنسان إلا لأستاذ أو مدرس أو أي شيء له صلة بالجامعة.
صرخة أخرى! - وعلى فكرة، دا هو اللي كان واقف وراها. - تمام تمام دا باين عليه ديوس قارح.
الله الله، المسألة تتطور بسرعة مخيفة. - يا حضرات أنا مابالومشي أنا بسأل سؤال علمي. - علمي يا ابن ال...
وبألفاظ الدكتور عويس نفسه: أحسست بمساحة لها كثافة الكاوتشوك وصلابته تهوي وكأنما من ارتفاع برج الساعة وترتطم برقبتي من الخلف، كان أول «قلم» أتلقاه على قفاي في حياتي والألم الجسدي لم أشعر به؛ إذ فجأة شعرت أن آدميتي كلها تبعثرت، كل شيء يكون ذاتي تشتت وسال تحت الأقدام، كرامتي، تاريخي، كل ما هو أنا انهار ومضت الأحذية تطؤه، القفا أعقبه ثان وثالث، وعلى الوجه والرأس وبالشلاليط وآخر ما شعرت به نظارتي وهي تتدشدش وينغرز بعض زجاجها في جلدي ثم عيني اليسرى وقد أخذت تنتفخ بسرعة خارقة وتوشك، كالبالونة، على الانفجار. يا أخي هذا موضوع هايف كنت نسيته وخلاص، لماذا تلح في تذكيري به؟!
لم أعد أستطيع، بحسم أوقفته، مستعملا لهجة الأمر الذي لا يقبل النقاش لأول مرة: أريد أن أعرف بقية ما حدث. - لا بقية ولا شيء، لقيت نفسي متمدد جنب الست على الرصيف والأوتوبيس مشي من زمان وجه غيره، وانتهى الموضوع. - انتهى ازاي. - أخيرا قررنا نعمل اجتماع عشان اللائحة عند العميد.
عميد إيه؟ ولائحة إيه؟ ماذا بعد الضرب؟ ماذا فعلت؟ هل أبلغت البوليس؟ هل شكوت؟ هل كتبت للجهات؟ هل ...؟ - ولا هل ولا شيء، أشكي مين؟ أوتوبيس؟ وأشكي ليه؟ المسألة سوء تفاهم لا غير، أنا كان قصدي سؤال علمي هم افتكروا حاجة تانية، مجرد سوء تفاهم، شوية «سنوبز»، إنما المجرمين الحقيقيين المتآمرين هم الناس اللي وقفوا ضدي في الاجتماع، دول عارفهم كويس وعارف وقفوا ليه ووراهم مين والهدف من المؤامرة إيه.
لم أستطع إلا أن أفقد السيطرة وأنفجر وقد فاض بي الكيل. واستمع إلى كلمات اللوم والغضب وهي تتدفق بحرارة من فمي، استمع بلا أي لوم أو غضب، فقط ظل ينظر لي مشفقا وكأنه أرسطو يتأمل قرويا يونانيا ينقده بشدة ويشتمه على «مربعه» الفلسفي المشهور الذي ابتلى به البشرية.
Неизвестная страница