Бейрут и Ливан за полтора века
بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن
Жанры
وسكان بيروت مشهورون ببخلهم؛ فالأكثرون حديثو النعمة؛ ولذلك يرجعون إلى طبيعتهم الأولى كلما هموا بالتنعم بالأموال التي وفرتها لهم ثرواتهم. إنهم يعتبرون ثروتهم وديعة بين أيديهم؛ هذا شيء فلسفي، إلا أنه ناتج حقيقة عن تقتيرهم الذي طبعوا عليه؛ فهم لا يفقهون معنى الترف سواء أكان في لباسهم أو على موائدهم، أو في مفروشاتهم التي تكلمت عنها آنفا.
يرتدي السوري الميسور - عادة - أكثر ما تحتويه خزانته، وعليه أن يتحلى دائما بكل ما يملك من أشياء ثمينة ليظهر للناس غناه.
إننا نعجب إذ نرى الفنون الجميلة حديثة الميلاد في الشرق، ولكن أية حاجة لهم بها؟ فالعرب يعيشون غير محتاجين إلى شيء، وكل صناعة في بلادهم تكون معرضة للموت.
وماذا نرى في أسواقهم غير منسوجات الصوف، والحرائر، والقطن، والطرابيش، والبوابيج، والغلايين، وبعض الزجاج الغليظ، وأخيرا الحبوب التي تأتيهم من المستعمرات؟ وماذا عند صيادلتهم غير المواد الطبية البسيطة، وبعض خلاصات كيماوية يعرفها الجميع ويطلبونها لصبغة الأقمشة؟!
حاول بعض الأوروبيين أن يمدونا - بعد أن فتشوا في فهارسنا - بما نحن في حاجة إليه. وهب أنهم باعوا بعض المواد من غير الفرنسيين، فتشترى على سبيل الفضول، وليس لأنهم محتاجون إليها. إن طريقة استعمالها لا تزال مجهولة عندهم.
إن مسلمي مدن سوريا الداخلية هم دائما ثائرون مهتاجون، وأقل بادرة تمس دياناتهم تحملهم على انفعال متجاوز الحد. إن علاقاتهم الحسنة مع التجار الغربيين قد درت عليهم كثيرا، إلا أنها لم تعمل - ولو قليلا - في تحوير عاداتهم.
ومع ذلك، فللبعض منهم علاقات وثيقة مستمرة بالمسيحيين، وخصوصا إذا كانوا ممن يحبون الشرب ... إن للأتراك ميلا خاصا لتقليد الإفرنسيين في تذوقهم المشروبات. وإذا كان الشرب يسمى مدنية فإنني أستطيع التأكيد بأنهم جروا شوطا بعيدا في هذا المضمار؛ ذلك لأن رؤية أشخاص يطوفون الشوارع بين خمرتين في تركيا ليست نادرة؛ فالكحول تباع فيها اليوم جهرا لأن السلطة اقتنعت بأنها تجني ربحا باهظا من سماحها بما ليس في الإمكان تحريمه. إن الخمارات قد اكتريت كلها.
وفي زمن كانت الخمرة فيه محرمة حظر أحد الباشوات - الذي شاء أن يكون متنطسا - بيع المشروبات المسكرة من المؤمنين. إلا أن أحدهم لم يكن يستطيع الاستغناء عنها فاتفق له - وهو يملأ زجاجته - أن مر الحاكم الذي كان يقوم بدورته التفتيشية ليتأكد من تنفيذ أوامره؛ فخبأ المولع بالعصير الإلهي يديه الثنتين وزجاجته وراء ظهره، ثم انتصب مستندا إلى الحائط ليقوم بمراسم الاحترام والإجلال، وكان الباشا لبيبا من الإشارة يفهم، فرابه وجود الرجل في هذا المكان، فسأله - بعد أن سلم
6
عليه - عن سبب إخفاء يديه، فأراه الرجل يده اليمنى، فقال الباشا: واليسرى؟ فأراه إياها أيضا بعد أن أمسك الزجاجة باليمنى، إلا أن ذلك أكد له أن في القضية سرا؛ فطلب إليه أن يريه كلتا يديه معا، ففعل الرجل بعد أن حصر الزجاجة بين ظهره والحائط. إلا أن الباشا صرخ قائلا بعد أن نفد صبره: تقدم إلي!
Неизвестная страница