255

Бейрут и Ливан за полтора века

بيروت ولبنان منذ قرن ونصف القرن

Жанры

الفصل الرابع والثلاثون

تابع تاريخ الأمير بشير شهاب

إن غياب الأمير وابتعاد القوات التي تؤيده وتأتمر أمره قد حملا الحزب الدرزي على الاعتقاد بأن الفرصة سانحة له ليستعيد السلطة التي فقدها؛ فالرواد الذين أوفدوا إلى إسطمبول عادوا يخبرون أن جيوش السلطان المعظم ستدخل سوريا وتقدم لهم المعونة التي ينشدونها.

فلو لم يعلن الأمير بشير ولاءه لإبراهيم باشا لانضم الدروز إلى إبراهيم، ولكن صيرورة خصمهم حليفا لمصر قضت عليهم بأن يوالوا الدولة العثمانية.

وما كاد إبراهيم باشا ينتهي من حمص حتى أخذ يهتم شخصيا بقضية الأمير بشير؛ فقصد بيت الدين على رأس أربعة آلاف رجل مهددا بهم من هنالك دير القمر. إلا أن الدروز غادروا البلد لأنهم لم يكونوا يتوقعون قدوم القائد المصري ومحاربتهم له، فنهبت بيوتهم كلها.

تلك كانت الخدمة الوحيدة التي فاز بها الأمير من محمد علي لقاء موالاته له. أما الجبل فلم ينله شيء من عطف محمد علي؛ لأنه كابد تضحيات كبيرة أثناء الاحتلال المصري. ومذ ذاك بدأ اللبنانيون وزعماؤهم يكرهون المصريين بعد ما كانوا يرغبون فيهم.

ما اكتفى الأمير بشير بخدمة مصالح مصر بما يسره له موقفه، بل بذل كل ما أوتيه من نفوذ وقوة. لاقى الأمير - كما رأينا سابقا - كثيرا من الاضطهادات قبل ثبوته في كرسي إمارة لبنان؛ فهو يقدر - إذن - قيمة مساعدة صديق قوي حق قدرها. اهتم خلال سني حكمه بخلق أصدقاء له والاعتماد على رجال يحمونه، فربطته علاقات وثيقة بجميع رجالات سوريا العظام. كان يخطب ودهم إما بهدايا يقدمها لهم، أو بقضاء بعض خدمات دعت الحاجة إلى أن تطلب منه، في زمن لم تكن فيه سلطة سوى اسم بلا مسمى. فكل باشا وكل آغا أو زعيم كان بوسعه أن يؤلف حزبا ويعلن استقلاله؛ فتنتج عن ذلك الحروب. والحزب الذي يغلب على أمره لم يكن يجد ملجأ ومعتصما له إلا في الجبل الدرزي. على أن حصانة هذا الملجأ ومناعته لم ينتزعهما إلا المصريون.

كان الأمير يستقبل جميع الذين ينزلون عليه - ومن أي فئة كانوا - بلطف واحد، ويبقيهم في قصره المدة التي يرون من المناسب قضاءها عنده. وكانت هذه الضيافة - في جميع الأوقات - أثقل عبء يقوم به الأمير بشير، إلا أن سماحة كفه وشهامته كانتا تليقان به تماما. وما لنا أن نلومه إذا أثقل عاتق شعبه ليرضي أمياله النبيلة السمحة ويحسن الحماية والاعتصام.

تعرفت إلى عدة رجالات عظام من الأتراك، فلم يترك أحد منهم في نفسي بعض الأثر الذي كنت أحسه حين أمثل بحضرة الأمير بشير، قبل أن هدم إبراهيم باشا معالم سؤدده وعظمته.

وفي جميع الحروب التي خاضها المصريون مع البلدان التي حاولت أن تخلع نير العبودية، كان الجبليون وحدهم هم الذين يحاولون إلقاء النير الجديد عن أعناقهم؛ ففي نابلس وجبال اللاذقية وحوران استعانوا باللبنانيين؛ لأن جميع الأساليب الأخرى لم تكن تجدي نفعا.

Неизвестная страница