لزم صفوان الصمت واستغرق في تأمل كأسه، ثم خاطبني قائلا: لم تحدثني عن الحال في مصر. أنت تعرف أني لم أرها منذ عشر سنوات.
قلت: لن تتعرف عليها لو رأيتها الآن؛ فكل شيء تغير في هذه السنوات العشر. الهواء نفسه على رأي بعضهم.
سألني: كيف؟
قلت: الشوارع ازدحمت بالسيارات الفاخرة والمباني السوبر لوكس وبالحفر والأتربة والقاذورات والأجانب. المتاجر امتلأت بالسلع المستوردة والأطعمة الفاسدة. والصحف بالأكاذيب. ومياه الشرب بالديدان الحية.
قال: والناس. كيف يسكتون على ذلك؟
قلت: الناس ملاحقون بطوابير الخبز والسجائر والدجاج، بالأوبئة والضجة والقذارة، وبانقطاع المياه والكهرباء والتليفون، بالمواصلات المستحيلة، وبسباق التظاهر. الواحد منهم يتبعثر كل صباح عدة مئات من القطع، ويعجز عن لم نفسه في المساء مرة أخرى. حتى الكرامة الوطنية لم يعد لها معنى عندهم، فماذا تنتظر منهم؟ ثم إن عبد الناصر قتل فيهم كل قدرة على العمل الجماعي.
نهض الليبيان معربين عن رغبتهما في الانصراف. ونهضت راندة معهما وانصرفت في صحبتهما.
أعلنت رغبتي في الانصراف بدوري، لكن صفوان ألح علي في البقاء، وأراد أن يملأ لي كأسي، لكني اعترضته قائلا: عندي عمل في الصباح.
وجه الحديث إلى زوجته: توصليه بالسيارة؟ لا أظن أني أستطيع القيادة بعد كل ما شربته .
أجابته: لماذا تشرب عندما يكون لديك من تحب أن توصله؟
Неизвестная страница