6
أسفر الصباح عن اختفاء المظاهر المسلحة من أمام المنزل. وعندما خرجت إلى الشارع لم أجد أثرا لعلم «المرابطون».
ركبت إحدى سيارات السرفيس المتجهة إلى البحر. وجلست بجوار شاب ملتح، فاحت رائحة الحشيش من سيجارته، واستغرق في قراءة صحيفة. ومن فوق كتفه لمحت الصورة التي نشرتها أغلب الصحف، وتمثل ثلاث جثث عارية لشبان مسيحيين، استخرجت من بئر في بلدة حمانا.
اخترقنا منطقة الروشة الأنيقة ذات البنايات الحديثة العالية، والملاهي التي لا تنام، والمقاهي والمطاعم الفاخرة. وخرجنا إلى الشاطئ قرب الصخرة الشهيرة التي ألف العشاق الفاشلون أن يلقوا بأنفسهم من فوقها. ورأيته محتلا بسيارات تبيع القهوة والمرطبات، و«بسطات» من الملابس والأحذية والأدوات المنزلية والخضراوات.
لمحت على الناحية الأخرى، واجهة مقهى «الدولشي فيتا»، الذي كان رمزا للحياة البيروتية اللذيذة في الستينيات وبداية السبعينيات. وبدت عليه مسحة من الإهمال والقدم، كما ظهرت المباني المدمرة من حوله.
انفصلنا عن طريق البحر، وانطلقنا في شارع كورنيش المزرعة. نزلت قرب السفارة السوفيتية بعد أن دفعت ليرة. وعبرت الطريق إلى الناحية الأخرى، ومضيت من أمام سوبر ماركت ومتاجر حديثة مختلفة، وأنا أطالع اللافتات المعلقة فوق مداخل البنايات وطوابقها حتى عثرت على بغيتي.
استقبلني مدير دار «التقدم» في مكتب تصدرته صورة كبيرة ملونة للينين. كان يتميز بطبيعة بالغة الهدوء، توحي بالحياة المستقرة الناعمة، وقوى من هذا الانطباع امتلاء جسده، وأناقته المفرطة.
أعطيته رسالة من أحد أصدقائي يطالب فيها ببقية حقوقه عن كتاب له، قرأها بعناية ثم دق جرسا. وجعل يتأمل أظفاره بإمعان إلى أن استجاب أحد الشبان للجرس، فطلب منه أن يحضر البطاقة الخاصة بصديقي، وأن يأمر لي بقدح من القهوة.
جاء الشاب بالبطاقة المطلوبة فتأملها لحظة ثم ابتدرني قائلا: كتاب صديقك لم يوزع منه حتى الآن غير 990 نسخة. وهو لا يستحق دفعة أخرى من حقوقه إلا عندما يتجاوز التوزيع رقم الألف.
قلت: الذي فهمته منه أنه لم يتم بينكما اتفاق على نصيبه من عائد التوزيع.
Неизвестная страница