Между приливами и отливами: страницы о языке, литературе, искусстве и цивилизации
بين الجزر والمد: صفحات في اللغة والآداب والفن والحضارة
Жанры
4
ومن مزايا هذا المعرض الذي يخلق «جوا» للفن، ويبث في الجمهور رغبة في درس الفن، وينشط معالجي الفن وهواته، إنه موضوع يمرن عليه كتابنا مقدرتهم في النقد التصويري، ومنهم من يبدي في ذلك إدراكا دقيقا وإحساسا نافذا، وإخلاصا مشكورا؛ فلا يسئم المواهب الصالحة بالكلام الفاتر في الموضوع الحار، ولا يملق الغرور والغطرسة بالثناء الوفير على ما هو عادي قد لا يستحق أكثر من النظرة السريعة. «ما نفع النقد؟» يتساءل شارل بودلير، ثم يجيب: «الفنان يلوم الناقد في أنه لا يفلح في تعليم المتفرج الرسم والنظم، وهو كذلك لا يعلم الفنان الذي لولا فنه ما كان النقد، ولكن هذا اللوم لا ينطبق إلا على النقد الذي لا يرى ولا يشعر ولا يدرك.» «كيف يكون النقد إذن؟» «أعتقد بإخلاص أن خير نقد هو النقد المنوع الشعري المبهج، لا ذلك النقد البارد الذي يسلك طريقة علم الجبر في حل المسائل الرياضية، فيزعم شرح كل غامض وفض مغالق الطبيعة، دون تحيز ولا نفور، بل بتجريد نفسه اختيارا من كل مزاج وكل نزعة.» «يتحتم أن يكون الناقد واسع المعرفة والإدراك، رقيق الإحساس، صادق الإخلاص، ومقياسه هو الطبيعة بأسرها بإنسانها ومجتمعها، ثم عليه أن يتأثر لينقد بانفعال. لأن كونك ناقدا لا ينفي كونك إنسانا، والانفعال يقرب بين الأمزجة المتشابهة، ويسمو بالمدارك إلى علو جديد؛ وبهذا منفعته للفنان والمتفرج.» «التصوير كجميع الفنون، هو الجمال تستوعبه عواطف كل منا، فيعبر عنه بانفعالاته وأحلامه، أو هو التنوع في الوحدة، أو هو الوجوه النسبية المتعددة من الكل المطلق. فعلى الناقد البصير إذن أن ينظر إلى الأثر الفني والتعبير الفني ومن ورائه الطبيعة وما وراءها لا يغيب عن بصره؛ فيشرح ما في البيان الفني من معلوم ومجهول، أو من نقص في العلاقات، أو من علاقات مختلة. الناقد العليم القادر أستاذ الحياة بما فيها من العلانية والأسرار، والمتحركات والسواكن، يعرفها للفنان الذي عالجها صامتا، ويعرفها للجمهور الذي يحدق فيها جاهلا.»
هذه بعض أقوال بودلير في النقد الفني، وهو الذي كان ناقدا ممتازا كما كان شاعرا مطبوعا، والكلام على النقد الفني ينطبق على النقد عموما؛ إذ إن النقد كالحرية والعلم والفن لا يأتي بالطفرة، بل هو تمرين متتابع طويل لكفاءة طبيعية.
لذلك قلت: إنه إذا سرنا أن نرى هذه المعارض الابتدائية؛ فيسرنا كذلك أن تظهر على مقربة منها، وتصقل عن طريقها، موهبة النقد الذي يدرك، ويشعر، ويحاسب نفسه على ما يقول، مقابلا بين موضوعه وبين ما يعدله في الحياة والطبيعة والمجتمع.
وهذا النقد العام الناظر إلى الأمور من جميع جهاتها قليل جدا في اللغة العربية التي عني أئمتها في الغالب بالنقد اللغوي وما إليه.
ولذلك كان من دواعي الابتهاج أن تبدو مع النزعة الجديدة إلى الحرية السياسية النزعة إلى العمل الفني، يحاذيها النقد الصادق الذكي.
هو ثالوث حي سعيد، بورك فيه!
لبيك يا مسيو فانبير!
المسيو فانبير هو الكاتب الأجنبي الذي يكتب لمجلة بلجيكية عن حركة الأدب في العالم، وإذ هم بالكتابة عن الآداب العربية وجد أنه في أمرها على جهل تام؛ فبعث إلى الدكتور طه حسين يشكو جهله، وزود الشكوى بعشرة أسئلة يليها «ملاحظة»، وجهها الدكتور في جريدة «السياسة» إلى الأدباء وحملة الأقلام، ولا أدري هل هم ردوا عليها فهيئوا لمسيو فانبير مادة كافية لمبحثه عن الأدب العربي.
تعرف أوروبا شيئا غير يسير عن آداب: الهند، والصين، واليابان، والفرس، والترك، والأرمن، ولا تعرف منا نحن إلا ما يحدثها به المستشرقون عن آدابنا القديمة، وبعضهم ذو فضل عميم، أما عن آدابنا الجديدة فيحدثها كتابها وسياحها الذين يمرون بالشرق فيرونه كما يريدونه أو كما يتخيلون، ويحدثها بعض محاسيبها فيذكرون لها ما يهمها مباشرة، وقد يؤولون ويكيفون لتتوافق الأحاديث وهوى المصلحة.
Неизвестная страница